الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 387 ] باب ما جاء في بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى بن هرمز وكتابه إليه ودعائه عند تمزيق كتابه عليه وإجابة الله تعالى دعاءه وتصديقه قوله في هلاكه وهلاك جنوده وفتح كنوزه

                                        أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا يحيى (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن عباس، أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق.

                                        رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير، وفي كتابي: عن أبي عبد الله الحافظ فيما لم أجد نسخة سماعي، وقد أنبأني به إجازة، أن أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ أخبرهم، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن النضر الجارودي، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن وهب قال: أنبأنا يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثنا عبد [ ص: 388 ] الرحمن بن عبد القارئ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال: "أما بعد، فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى ابن مريم" فقال المهاجرون: يا رسول الله، والله لا نختلف عليك أبدا على شيء فمرنا وابعثنا، فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى، فخرج حتى قدم على كسرى وهو بالمدائن، فاستأذن عليه، فأمر كسرى بإيوانه أن يزين له، ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشجاع، فلما دخل عليه أمر كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض منه، قال شجاع: لا، حتى أدفعه أنا كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال كسرى: ادنه، فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه فإذا فيه: "من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس" ، فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وصاح وغضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشجاع بن وهب فأخرج، فلما رأى ذلك قعد على راحلته ثم سار ثم قال: والله ما أبالي على أي الطريقين أكون إذا أديت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث إلى شجاع أن يدخل عليه، فالتمس فلم يوجد، فطلب إلى الحيرة فسبق، فلما قدم شجاع على النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مزق كسرى ملكه" .

                                        اتفق هذا المرسل والموصول قبله في تمزيقه كتابه، في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن تمزيقه ملكه، وفي الأول أنه دعا عليهم، واختلفت الروايتين فيمن يدفع كتابه إلى كسرى، والرواية الأولى موصولة فهي أولى والله أعلم.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية