الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، قالوا: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية راجعا فقال رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصد هدينا.

                                        وعكف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من المسلمين خرجا، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول رجال من أصحابه: إن هذا ليس بفتح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الكلام، هذا أعظم الفتح، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم، ويسألونكم القضية، ويرغبون إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما كرهوا، وقد أظفركم الله عز وجل عليهم، وردكم سالمين غانمين مأجورين، فهذا أعظم الفتوح، أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ؟" قال المسلمون: صدق الله ورسوله، هو أعظم الفتوح، والله [ ص: 161 ] يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولأنت أعلم بالله عز وجل، وبالأمور منا.

                                        وأنزل الله عز وجل سورة الفتح إنا فتحنا لك فتحا مبينا إلى قوله: صراطا مستقيما ، فبشر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بمغفرته، وتمام نعمته، وفي طاعة من أطاع، ونفاق من نافق، ثم ذكر ما المنافقون معتلون به إذا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وإنما منعهم من الخروج معه أنهم ظنوا أن لن يرجع الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا، وظنوا السوء، ثم ذكر أنهم إذا انطلقوا إلى مغانم ليأخذوها التمسوا الخروج معهم لعرض الدنيا، ثم ذكر أن المنافقين سيدعون إلى قوم أولي بأس شديد يقاتلونهم أو يسلمون ما يبتليهم، فإن أطاعوا أثابهم على الطاعة، وإن تولوا كفعلهم أول مرة عذبهم عذابا أليما، ثم ذكر من بايع تحت الشجرة، ثم ذكر ما أثابهم على ذلك من الفتح والمغانم الكثيرة، وعجل لهم مغانم كثيرة، ثم ذكر نعمته عليهم بكف أيدي العدو عنهم، ثم بشره صلى الله عليه وسلم بمكة أنه قد أحاط بها، ثم ذكر أن لو قاتلهم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا، ولأعطينكم النصر والظفر عليهم، ثم ذكر المشركين وصدهم المسلمين عن البيت الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله، وأخبر أن لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم لو كان قتال، ثم قال: لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ، ثم ذكر الحمية التي جعلها الله في قلوبهم حين أبوا أن يقروا لله تبارك وتعالى باسمه، وللرسول باسمه، وذكر الذي أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى [ ص: 162 ] المؤمنين من السكينة حتى لا يحموا كما حمي المشركون لوقع القتال، فيكون فيه معرة، ثم ذكر أنه قد صدق رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين إلى فتحا قريبا .


                                        هذا لفظ حديث أبي الأسود، عن عروة، وحديث موسى بن عقبة بمعناه.

                                        قال: والفتح القريب الذي أعطاه الله رسوله صلى الله عليه وسلم من الظفر على عدوه في القضية التي قاضاهم عليها يوم الحديبية، على أنه يرجع من العام المقبل في الشهر الحرام الذي صد فيه آمنا هو في أصحابه، ويقول ناس: الفتح القريب خيبر وما ذكر فيها، وقد سمى الله فتح خيبر في آية أخرى فتحا قريبا قال: فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا فكان الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش سنتين، يأمن بعضهم بعضا.

                                        هذا لفظ حديث موسى بن عقبة، وحديث عروة بمعناه وقولهما: "سنتين" .

                                        يريدان بقاءه حتى نقض المشركون عهدهم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم لفتح مكة، فأما المدة التي وقع عليها عقد الصلح، فيشبه أن يكون المحفوظ ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار وهي عشر سنين والله أعلم.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية