الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنبأنا أبو جعفر البغدادي، قال: حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: ثم إن المسلمين حاصروا اليهود أشد الحصار، فلما رأوا ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمنة على دمائهم، ويبرزون له من خيبر وأرضها، وما كان لهم من مال فقاضاهم على الصفراء والبيضاء وهو الدينار [ ص: 232 ] والدرهم، وعلى الحلقة وهي الأداة، وعلى البز، إلا ثوبا على ظهر إنسان، وبرئت ذمة الله منكم إن كتمتم شيئا، وأن تعملوا في أموالكم على نصف الثمر كل عام ما أقررناكم، فإذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، فنزلوا على ذلك، وكتم بنو أبي الحقيق آنية من فضة، ومالا كثيرا كان في مسك جمل عند كنانة بن ربيع بن أبي الحقيق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الآنية والمال الذي خرجتم به من المدينة حين أجليناكم؟" قالوا: ذهب.

                                        وحلفوا على ذلك، وأعلم الله جل ثناؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمال الذي عندهما، فدفعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير يعذبهما فاعترف ابن عم كنانة فدل على المال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الزبير فدفع كنانة بن أبي الحقيق إلى محمد بن مسلمة، فقتله، ويزعمون أن كنانة هو قتل محمود بن مسلمة.

                                        واستحل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي صفية بنت حيي بن أخطب وابنة عمها، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، فأعطى ابنة عمها دحية الكلبي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدها دحية وأمسك صفية وسباها، وهي عروس حدثان ما دخلت بيتها، فأمر بلالا أن يذهب بها إلى الرحل، فمر بها بلال وسط القتلى، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أذهبت منك الرحمة يا بلال" .

                                        وعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فاصطفاها لنفسه، ودخل بها، ولم يشعر بذلك رجال كلهم يرجو أن يعطيها إياه، فأمرهم أن يعرضوا عنها، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم خضرة في وجهها، فقال: "ما هذا بوجهك؟" قالت: يا رسول الله رأيت رؤيا قبل قدومك علينا ولا والله ما أذكر من شأنك من شيء قصصتها على زوجي، فلطم وجهي، وقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وماذا رأيت؟" قالت: رأيت القمر زال من مكانه فوقع في حجري، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم برؤياها.

                                        فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرتحل قافلا إلى المدينة، فلما ركب جعل ثوبه الذي [ ص: 233 ] ارتدى به على ظهرها ووجهها ثم شد طرفه تحته فأخروا عنه في المسير وعلموا أنها بمنزلة نسوته، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه ليحملها على الراحلة أجلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضع قدمها على فخذه، فوضعت ركبتها على فخذه ثم ركبت، وقد بات أبو أيوب ليلة دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما قريبا من قبته آخذا بقائم السيف حتى أصبح، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة كبر أبو أيوب حين أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما بالك يا أبا أيوب؟" قال: لم أرقد ليلتي هذه يا رسول الله.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يا أبا أيوب؟" قال: لما دخلت بهذه المرأة ذكرت أنك قتلت أباها وأخاها وزوجها وعامة عشيرتها فخفت لعمرو الله أن تغتالك.

                                        فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له معروفا، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر الأموال على أن يعملوها ولهم نصف الثمرة.


                                        وذكر موسى بن عقبة في المغازي هذه القصة بمعنى ما روينا إلا أنه ذكر في قصة الكنز أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق عن ذلك، وسأل مع كنانة حيي بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالا: أنفقناه في الحرب، ولم يبق منه شيء، وحلفا له على ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "برئت منكما ذمة الله وذمة رسوله إن كان عندكما" أو قال نحوا من هذا القول، فقالا: نعم، فأشهد عليهم، ثم أمر الزبير بن العوام أن يعذب كنانة فعذبه حتى خافه فلم يعترف بشيء ولا ندري أعذب حييا أو لا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن ذلك الكنز غلاما لهما يقال له ثعلبة كان كالضعيف، فقال: ليس لي علم به غير أني قد كنت أرى كنانة يطوف كل غداة بهذه الخربة فإن كان في شيء فهو فيها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك الخربة فوجدوا فيها ذلك الكنز فأتي به وذكر قصة صفية.

                                        [ ص: 234 ] أخبرناه أبو الحسين بن الفضل، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم الجوهري، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، فذكر القصة.

                                        قال موسى: حدثنا نافع، أن عبد الله بن عمر قال: لما فتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على نصف ما خرج منها من الثمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نقركم فيها على ذلك ما شئنا" فكانوا فيها كذلك حتى أخرجهم عمر.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية