الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو محمد بن موسى بن المفضل قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: كان إسلام ثمامة بن أثال الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله حين عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرض له أن يمكنه الله منه، وكان عرض له وهو مشرك فأراد قتله، فأقبل ثمامة معتمرا وهو على شركه، حتى دخل المدينة فتحير فيها، حتى أخذ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد، فخرج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما لك يا ثمام؟ هل أمكن الله منك؟" فقال: قد كان ذلك يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن تسأل مالا تعطه.

                                        [ ص: 80 ] فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه حتى إذا كان الغد مر به فقال: ما لك يا ثمام؟ فقال: خيرا يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن تسأل مالا تعطه، ثم انصرف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        قال أبو هريرة: فجعلنا المساكين نقول بيننا: ما يصنع بدم ثمامة، والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة.

                                        فلما كان الغد، مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما لك يا ثمام" ؟ فقال: خيرا يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر، وإن تسأل مالا تعطه.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عفوت عنك يا ثمام" فخرج ثمامة حتى أتى حائطا من حيطان المدينة فاغتسل به وتطهر، وطهر ثيابه، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقال: يا محمد والله لقد كنت وما وجه أبغض إلي من وجهك، ولا دين أبغض إلي من دينك، ولا بلد أبغض إلي من بلدك، ثم لقد أصبحت، وما وجه أحب إلي من وجهك، ولا دين أحب إلي من دينك، ولا بلد أحب إلي من بلدك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، يا رسول الله، إني كنت خرجت معتمرا، وأنا على دين قومي، فيسرني صلى الله عليك في عمرتي.

                                        فيسره رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرته وعلمه، فخرج معتمرا.

                                        فلما قدم مكة وسمعته قريش يتكلم بأمر محمد من الإسلام قالوا: صبأ ثمامة، فأغضبوه فقال: إني والله ما صبوت ولكني أسلمت، وصدقت محمدا، وآمنت به، وايم الذي نفس ثمامة بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة - وكانت ريف مكة - ما بقيت حتى يأذن فيها محمد صلى الله عليه وسلم.

                                        وانصرف إلى بلده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


                                        [ ص: 81 ] وأخبرنا أبو طاهر الفقيه، قال: أخبرنا أبو حامد بن بلال، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا النفيلي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: فأخبرني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ثمامة - فربط بعمود من عمد الحجرة ثلاث ليال.

                                        فذكر الحديث بمعناه.

                                        وهذه الرواية توهم أن يكون صدر الحديث في رواية يونس بن بكير من قول محمد بن إسحاق عن شيوخه، ورواية الليث بن سعد ومن تابعه أصح في كيفية أخذه، والذي روي في حديث محمد بن إسحاق من قول أبي هريرة وغيره في إرادة فدائه يدل على شهود أبي هريرة ذلك، وأبو هريرة إنما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر فيشبه أن يكون قصة ثمامة فيما بين خيبر وفتح مكة. والله أعلم.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية