الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا:: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن عباد بن منصور الناجي، قال: حدثنا أبو رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سبعين راكبا فسار بأصحابه وأنهم عرسوا قبل الصبح، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى طلعت الشمس، فاستيقظ أبو بكر فرأى الشمس قد طلعت فسبح وكبر كأنه كره أن يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى استيقظ عمر، فاستيقظ رجل جهير الصوت، فسبح وكبر ورفع صوته جدا، حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، فاتتنا الصلاة، فقال: "لم تفتكم" ، ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركبوا وساروا هنيهة، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا معه، وكأنه كره أن يصلي في المكان الذي نام فيه عن الصلاة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بماء" ، فأتوه بجريعة من ماء في مطهرة، فصبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء، ثم وضع يده في الماء ثم قال لأصحابه: "توضؤوا" ، فتوضأ قريب من سبعين رجلا، ثم أمر [ ص: 280 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة، فنودي بها، ثم قام فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف إذا رجل من أصحابه قائم، فلما رآه قال: "ما منعك أن تصلي؟" ، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصابتني جنابة، قال: "فتيمم بالصعيد، فإذا فرغت فصل، فإذا أدركت الماء فاغتسل" ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يدرون أين الماء منهم، فبعث عليا رضي الله عنه معه نفر من أصحابه يطلبون له الماء، فانطلق في نفر فسار يومه وليلته ثم لقي امرأة على راحلة بين مزادتين، فقال لها علي رضي الله عنه: من أين أقبلت؟ فقالت: أقبلت إني استقيت لأيتام، فلما قالت له وأخبرته أن بينه وبين الماء مسيرة ليلة وزيادة على ذلك، فقال علي: والله لئن انطلقنا لا نبلغ حتى تهلك دوابنا، ويهلك من هلك منا، ثم قال: بل ننطلق بهاتين المزادتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينظر في ذلك.

                                        فلما جاء علي رضي الله عنه وأصحابه وجاؤوا بالمرأة على بعيرها بين مزادتيها فقال علي: يا رسول الله: بأبي وأمي إنا وجدنا هذه بمكان كذا وكذا، فسألتها عن الماء فزعمت أن بينها وبين الماء مسيرة ليلة أو زيادة، فظننا أن لم نبلغه حتى يهلك منا من هلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنيخوا لها بعيرها" ، فأناخوا بها بعيرها، فأقبلت عليهم، فقالت: استقيت لأيتام، وقد احتبست عليهم جدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بإناء" ؛ فجاؤوا بإناء، فقال: "افتحوا عزلاء هذه المزادة فخذوا منها ماء يسيرا ثم افتحوا عزلاء هذه فخذوا منها ماء يسيرا أيضا" ، ففعلوا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فيه وغمس يده فيه، فقال: "افتحوا لي أفواه المزادتين" ، ففتحوا فحثا في هذه قليلا وفي هذه قليلا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "اشربوا" ؛ فشربوا حتى رووا، ثم قال: "اسقوا ظهركم" فسقوا الظهر حتى روي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هاتوا ما كان لكم من قربة أو مطهرة فاملؤوها" فجاؤوا بقربهم ومطاهرهم فملؤوها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شدوا عزلاء هذه، وعزلاء هذه" ، ثم قال: "ابعثوا البعير" فبعثوها فنهضت وإن المزادتين لتكادان تفطان من ملئهما ثم اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كساء المرأة، ثم [ ص: 281 ] قال لأصحابه: "هاتوا ما كان عندكم من شيء" ، فجعلوا يجيئون بالكسيرة من الخبز والشيء من التمر، حتى جمع لها، ثم أخذ كساءها ذلك فشده، ثم دفعه إليها ثم قال: "خذي هذا لأيتامك، وهذا ماؤك وافرا" ، فجعلت تعجب مما رأت ثم انطلقت حتى أتت أهلها فقالوا: قد احتبست علينا فما حبسك؟ قالت: حبسني أني رأيت عجبا من العجب أرأيتم مزادتي هاتين فوالله لقد شرب منهما قريب من سبعين بعيرا وأخذوا من القرب والمزاد والمطاهر ما لا أحصي، ثم إنهما الآن أوفر منهما يومئذ فلبثت شهرا أو نحوا من ذلك عند أهلها، ثم أقبلت في ثلاثين راكبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وأسلموا.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية