الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء


                                                                          5049 - (خت 4) : محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان [ ص: 356 ] ابن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي، أبو عبد الله الشافعي المكي، نزيل مصر، إمام عصره، وفريد دهره، وجده المطلب بن عبد مناف أخو هاشم بن عبد مناف .

                                                                          روى عن : إبراهيم بن سعد الزهري ، وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي ، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ، وإسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين ، وإسماعيل بن جعفر المدني ، وإسماعيل ابن علية البصري ، وأبي ضمرة أنس بن عياض الليثي ، وأيوب بن سويد الرملي ، وحاتم بن إسماعيل المدني ، وأبي أسامة حماد بن أسامة ، وداود بن عبد الرحمن العطار ، وسعيد بن سالم القداح ، وسفيان بن عيينة (د) ، وعبد الله بن الحارث المخزومي ، وعبد الله بن المؤمل المخزومي ، وعبد الله بن نافع الصائغ ومات قبله، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي (د) ، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وعطاف بن خالد المخزومي ، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي ومات قبله، ومالك بن أنس (ق) ، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، ومحمد بن خالد الجندي (ق) ، [ ص: 357 ] ومحمد بن عثمان بن صفوان الجمحي ، وعمه محمد بن علي بن شافع (د س) ، ومسلم بن خالد الزنجي ، ومطرف بن مازن قاضي صنعاء ، وهشام بن يوسف الصنعاني القاضي ، ويحيى بن حسان التنيسي ، ويحيى بن سليم الطائفي ، ويوسف بن خالد السمتي .

                                                                          روى عنه : أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي (د) ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وأحمد بن حنبل ، وأحمد بن خالد الخلال ، وأحمد بن أبي سريج الرازي ، وأحمد بن سنان القطان الواسطي ، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري ابن أخي عبد الله بن وهب ، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح (د) ، وأحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادي أبو عبد الرحمن الشافعي المتكلم ، وأحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان المصري ، وأبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني ، وبحر بن نصر بن سابق الخولاني ، وحرملة بن يحيى التجيبي (ق) ، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني البغدادي (ت) ، والحسين بن علي الكرابيسي ، والربيع بن سليمان المرادي المؤذن (4) راوية كتبه ، والربيع بن سليمان الجيزي ، وسعيد بن عيسى بن تليد الرعيني ، وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي ، وأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (د) ، وعمرو بن سواد بن الأسود العامري ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وأبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب العطار ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، وابنه أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي ، ومحمد بن يحيى بن حسان التنيسي ، وأبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي (ت) روى عنه كتاب "الأمالي" وغيره ، وهارون بن سعيد الأيلي ، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي [ ص: 358 ] (ت) ، ويونس بن عبد الأعلى (ق) ،

                                                                          قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري السجستاني : سمعت بعض أهل المعرفة بالحديث يقول : إذا قال الشافعي في كتبه أخبرنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك، وإذا قال : أخبرنا الثقة، عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان، وإذا قال : أخبرنا الثقة، عن الوليد بن كثير، فهو أبو أسامة، وإذا قال : أخبرنا الثقة، عن الأوزاعي فهو عمرو بن أبي سلمة، وإذا قال : أخبرنا الثقة، عن ابن جريج فهو مسلم بن خالد، وإذا قال : أخبرنا الثقة، عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن أبي يحيى.

                                                                          أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي المعروف بابن البخاري، قال : أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي سنة ست مائة، قال : أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، قال : أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي بنيسابور، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال : أخبرنا الربيع بن سليمان بن كامل المرادي المؤذن صاحب الشافعي، قال : الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة [ ص: 359 ] ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                          وبهذا الإسناد إلى الحافظ أبي بكر، قال : أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن أيوب العكبري فيما أجاز لنا، قال : أخبرنا علي بن أحمد بن أبي غسان البصري بها، قال : حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي.

                                                                          (ح) : قال الحافظ أبو بكر : وأخبرنا محمد بن عبد الملك القرشي قراءة، قال : أخبرنا عياش بن الحسن البندار، قال : حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، قال : أخبرني زكريا بن يحيى الساجي، قال : سمعت الجهمي أحمد بن محمد بن حميد النسابة يقول : محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد مناف.

                                                                          وقد ولده هاشم بن عبد مناف ثلاث مرار.

                                                                          أم السائب الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف.

                                                                          أسر السائب يوم بدر كافرا، وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                          وأم الشفاء بنت الأرقم خلدة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

                                                                          وأم عبيد بن عبد يزيد العجلة بنت عجلان بن البياع بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.

                                                                          وأم عبد يزيد الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي، كان يقال لعبد يزيد : محض لا قذى فيه.

                                                                          وأم هاشم بن المطلب [ ص: 360 ] خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وأم هاشم والمطلب وعبد شمس بني عبد مناف عاتكة بنت مرة السلمية، وأم شافع أم ولد.

                                                                          وبه قال : سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري يقول : شافع بن السائب الذي ينسب الشافعي إليه قد لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع، وأسلم أبوه السائب يوم بدر، فإنه كان صاحب راية بني هاشم، فأسر، وفدى نفسه، ثم أسلم، فقيل له : لم لم تسلم قبل أن تفتدي فداك؟ فقال : ما كنت أحرم المؤمنين طمعا لهم.

                                                                          قال القاضي : وقال بعض أهل العلم بالنسب : وقد وصف الشافعي أنه شقيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسبه، وشريكه في حسبه، لم تنل رسول الله صلى الله عليه وسلم طهارة في مولده وفضيلة في آبائه إلا وهو قسيمه فيها، إلى أن افترقا من عبد مناف، فزوج المطلب ابنه هاشما الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد يزيد جد الشافعي، وكان يقال لعبد يزيد : المحض لا قذى فيه، فقد ولد الشافعي الهاشمان : هاشم بن عبد المطلب، وهاشم بن عبد مناف.

                                                                          والشافعي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته؛ لأن المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشفاء بنت هاشم بن عبد مناف أخت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                          وأما أم الشافعي فهي أزدية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الأزد جرثومة العرب" .

                                                                          وبه قال : وأخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي، قال : أخبرنا محمد بن جعفر التميمي بالكوفة، قال : [ ص: 361 ] أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن حامد بن إدريس البلخي، قال : سمعت نصر بن المكي يقول : سمعت ابن عبد الحكم يقول : لما أن حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية.

                                                                          فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان.

                                                                          وبه قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال : حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن شيظم القاضي، قدم للحج، قال : أخبرنا نصر بن مكي ببلخ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال : قال لي محمد بن إدريس الشافعي : ولدت بغزة سنة خمسين - يعني ومائة - وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين.

                                                                          قال : وأخبرني غيره عن الشافعي، قال : لم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلى الديوان، أستوهب الظهور أكتب فيها.

                                                                          وبه قال : أخبرنا علي بن أبي علي المعدل، قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال : حدثنا أبي قال : سمعت عمرو بن سواد، قال : قال لي الشافعي : ولدت بعسقلان فلما أتى علي سنتان حملتني [ ص: 362 ] أمي إلى مكة، وكانت نهمتي في شيئين : في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة، وسكت عن العلم، فقلت له : أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي، قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال : حدثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب الوهبي ابن أخي عبد الله بن وهب، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : ولدت باليمن، فخافت أمي علي الضيعة، وقالت : الحق بأهلك فتكون مثلهم، فإني أخاف أن تغلب على نسبك. فجهزتني إلى مكة، فقدمتها وأنا يومئذ ابن عشر أو شبيه بذلك، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي : لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك، فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزق الله منه ما رزق.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن شادي الهمذاني، قال : حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله الهروي الصوفي بهمذان، قال : سمعت أبا الحسن المغازلي يقول : سمعت المزني يقول : سمعت الشافعي يقول : رأيت علي بن أبي طالب في النوم، فسلم علي، وصافحني، وخلع خاتمه فجعله في إصبعي، وكان لي عم ففسرها لي، فقال لي : أما مصافحتك لعلي فأمان من العذاب، وأما خلع خاتمه فجعله في إصبعك فسيبلغ اسمك ما بلغ اسم علي في الشرق والغرب.

                                                                          وبه قال : حدثني أبو القاسم الأزهري، قال : أخبرنا [ ص: 363 ] الحسن بن الحسين أبو علي الفقيه الهمذاني، قال : حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي، قال : سمعت الربيع بن سليمان، يقول : والله لقد فشا ذكر الشافعي في الناس بالعلم كما فشا ذكر علي بن أبي طالب.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، قال : حدثنا يونس بن حبيب قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا جعفر بن سليمان، عن النضر بن معبد الكندي أو العبدي، عن الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا قريشا؛ فإن عالمها يملأ الأرض علما، اللهم إنك أذقت أولها عذابا أو وبالا، فأذق آخرها نوالا .

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن علي الإستراباذي قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ بنيسابور قال : حدثنا محمد بن إبراهيم المؤذن قال : حدثنا عبد الملك بن محمد هو أبو نعيم، قال : حدثنا محمد بن عوف، قال : حدثنا الحكم بن نافع قال : حدثنا ابن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن [ ص: 364 ] وهب بن كيسان عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "اللهم اهد قريشا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما، اللهم كما أذقتهم عذابا فأذقهم نوالا" دعا بها ثلاث مرات .

                                                                          قال عبد الملك بن محمد في قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن عالمها يملأ الأرض علما ويملأ طباق الأرض " علامة بينة للمميز أن المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمة من قريش قد ظهر علمه، وانتشر في البلاد، وكتبوا تآليفه، كما تكتب المصاحف، واستظهروا أقواله، وهذه صفة لا نعلمها قد أحاطت إلا بالشافعي، إذا كان كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإن كان علمه قد ظهر وانتشر فإنه لم يبلغ مبلغا يقع تأويل هذه الرواية عليه؛ إذ كان لكل واحد منهم نتف وقطع من العلم ومسيئلات، وليس في كل بلد من بلاد المسلمين مدرس ومفتي ومصنف يصنف على مذهب قريش إلا على مذهبه، فعلم أنه يعنيه لا غيره، وهو الذي شرح الأصول والفروع، وازدادت على مر الأيام حسنا وبيانا.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدي، قال : حدثنا عثمان بن صالح : قال : حدثنا ابن وهب، قال : أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة قال : لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".

                                                                          [ ص: 365 ] وبه قال : أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي، قال : حدثنا أبو محمد بن الورد، قال : حدثنا أبو سعيد الفريابي، قال : قال أحمد بن حنبل : إن الله تعالى يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أحمد بن علي بن أيوب القاضي إجازة، قال : أخبرنا علي بن أحمد بن أبي غسان البصري، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي.

                                                                          (ح) : قال : وأخبرنا محمد بن عبد الملك القرشي قراءة، قال : أخبرنا عياش بن الحسن، قال : حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، قال : أخبرني زكريا الساجي، قال : حدثني محمد بن خلاد - وفي حديث ابن أيوب : محمد بن خالد البغدادي - قال : حدثني الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل قال : هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي وأستغفر له.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله الطبري، قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الخضر المعدل، قال : حدثنا علي بن محمد بن سعيد، قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع، قال : حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال : سمعت [ ص: 366 ] الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت "الموطأ" وأنا ابن عشر سنين.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عياض بن أبي عقيل القاضي بصور، قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع الغساني بصيدا، قال : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب الضرير بمكة يقول : سمعت عمي يقول : سمعت الشافعي يقول : أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد، ما خلا حرفين. قال أبي : حفظت أحدهما ونسيت الآخر، أحدهما "دساها".

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي بنيسابور، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال : أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس، قال : حدثنا إسماعيل بن قسطنطين، قال : قرأت على شبل وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر ابن [ ص: 367 ] عباس أنه قرأ على أبي، قال ابن عباس : وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                          قال الشافعي : وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين وكان يقول : القرآن اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من "قرأت" ولو أخذ من "قرأت" كان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم للقرآن، مثل التوراة والإنجيل، تهمز "قرأت" ولا يهمز القرآن، وإذا قرأت القرآن تهمز "قرأت" ولا تهمز القرآن.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد الفقيه، قال : أخبرنا عياش بن الحسن بن عياش، قال : حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، قال : أخبرني زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل، قال : حدثني حسين بن علي يعني الكرابيسي قال : بت مع الشافعي غير ليلة، وكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين.

                                                                          قال : فكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعا.

                                                                          قال الحافظ أبو بكر : قد كان الشافعي بأخرة يديم التلاوة، ويدرج القراءة، فأخبرنا علي بن المحسن القاضي، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن إبراهيم الصفار، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني بمصر، قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول : كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم كل ليلة منها ختمة، وفي كل يوم ختمة، فكان يختم في شهر رمضان ختمة.

                                                                          [ ص: 368 ] وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال : حدثنا الربيع، قال : كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة. قلت : في صلاة رمضان؟ قال : نعم.

                                                                          وبه قال : أخبرنا إسماعيل بن علي الإستراباذي، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال : أخبرني الزبير بن عبد الواحد، قال : سمعت عباس بن الحسين ، قال : سمعت بحر بن نصر يقول : كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا بعضنا لبعض : قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى يتساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، من حسن صوته، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة.

                                                                          وبه قال : أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، قال : حدثنا علي بن إبراهيم البيضاوي، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي ، قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول : كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.

                                                                          وبه قال : حدثني الحسن بن أبي طالب، قال : حدثنا محمد بن العباس الخزاز، قال : حدثنا محمد بن محمد الباغندي، قال : حدثني الربيع بن سليمان، قال : حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير ، قال : سمعت مسلم بن خالد الزنجي ومر على الشافعي [ ص: 369 ] وهو يفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة، فقال : يا أبا عبد الله أفت فقد آن لك أن تفتي!.

                                                                          قال الحافظ أبو بكر : هكذا ذكر في هذه الحكاية عن الحميدي أنه سمع مسلم بن خالد ومر على الشافعي وهو ابن خمس عشرة سنة يفتي، فقال له : أفت، وليس ذلك بمستقيم؛ لأن الحميدي كان يصغر عن إدراك الشافعي وله تلك السن، والصواب ما أخبرنا علي بن المحسن، قال : حدثنا محمد بن إسحاق الصفار، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني، قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول : سمعت عبد الله بن الزبير الحميدي يقول : قال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي : يا أبا عبد الله أفت الناس آن لك والله أن تفتي، وهو ابن دون عشرين سنة!.

                                                                          وبه قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال : حدثنا دعلج بن أحمد، قال : سمعت جعفر بن أحمد الشاماتي يقول : سمعت جعفر ابن أخي أبي ثور يقول : سمعت عمي يقول : كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب "الرسالة".

                                                                          قال عبد الرحمن بن مهدي : ما أصلي صلاة إلا وأنا [ ص: 370 ] أدعو للشافعي فيها.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، قال : حدثنا عبدان بن أحمد، قال : حدثنا عمرو بن العباس ، قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي وذكر الشافعي فقال : كان شابا مفهما.

                                                                          وبه قال : أخبرنا إسماعيل بن علي، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال : أخبرنا حسان بن محمد، قال : سمعت ابن سريج يقول عن أبي بكر بن الجنيد قال : حج بشر المريسي، فرجع، فقال لأصحابه : رأيت شابا من قريش بمكة ما أخاف على مذهبنا إلا منه، يعني الشافعي.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، قال : أخبرنا عياش بن الحسن، قال : حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، قال : أخبرني زكريا بن يحيى ، قال : حدثني الحسن بن محمد الزعفراني قال : حج بشر المريسي سنة إلى مكة، ثم قدم، فقال : لقد رأيت بالحجاز رجلا ما رأيت مثله سائلا ولا مجيبا - يعني الشافعي - قال : فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد فاجتمع إليه الناس وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر يوما، فقلت [ ص: 371 ] هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم، فقال : إنه قد تغير عما كان عليه.

                                                                          قال الزعفراني : فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام حيث قالوا : سيدنا وابن سيدنا، فقال لهم : فإن أسلم؟ قالوا شرنا وابن شرنا!.

                                                                          وبه قال : أخبرني عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب، قال : حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، قال : سمعت الميموني بالرقة يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ستة أدعو لهم سحرا، أحدهم الشافعي.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم، قال : حدثنا محمد بن خلف بن جيان الخلال، قال : حدثني عمر بن الحسن، عن أبي القاسم بن منيع، قال : حدثني صالح بن أحمد بن حنبل ، قال : مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى بن معين، فقال له : يا أبا عبد الله أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته، فقال : يا أبا زكريا لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك!.

                                                                          وبه قال : أخبرني أبو القاسم الأزهري، قال : أخبرنا الحسن بن الحسين الفقيه الهمذاني، قال : حدثنا محمد بن هارون الزنجاني بزنجان قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل . قال : قلت لأبي : يا أبة أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال لي : يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو منهما عوض؟!!

                                                                          [ ص: 372 ] وبه قال : أخبرني محمد بن أبي علي الأصبهاني، قال : أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد الشافعي بالأهواز، قال : أخبرنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري ، قال : سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث يقول : ما رأيت أحمد بن حنبل يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.

                                                                          وبه قال : أخبرنا علي بن المحسن التنوخي، قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال : أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي، قال : حدثنا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري ، قال : كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة فقال رجل لأحمد : يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث، فقال : إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي وحجته أثبت شيء فيه، ثم قال : قلت للشافعي : ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ قال : فأجاب فيها، فقلت : من أين قلت، هل فيه حديث أو كتاب؟ قال : بلى، فنزع في ذلك حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث نص.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال : حدثنا أحمد بن بندار بن إسحاق الفقيه، قال : حدثنا أحمد بن روح البغدادي، قال : حدثنا أحمد بن العباس، قال : سمعت علي بن عثمان وجعفرا الوراق يقولان : سمعنا أبا عبيد يقول : ما رأيت رجلا أعقل من الشافعي.

                                                                          [ ص: 373 ] وبه قال : أخبرنا إسماعيل بن علي، قال : أخبرنا أبو عبد الله المؤذن محمد بن عبد الله النيسابوري، قال : أخبرني القاسم بن غانم ، قال : سمعت أبا عبد الله البوشنجي ، يقول : سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول : الشافعي إمام.

                                                                          وبه قال : أخبرني الأزهري، قال : أخبرنا الحسن بن الحسين الهمذاني، قال : حدثني الزبير بن عبد الواحد الأسدآباذي، قال : حدثنا الحسن بن سفيان ، قال : حدثنا أبو ثور ، قال : من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه، وفصاحته، ومعرفته، وثباته، وتمكنه، فقد كذب، كان محمد بن إدريس الشافعي منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يعتض منه.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أحمد بن علي بن أيوب إجازة، قال : أخبرنا علي بن أحمد بن أبي غسان، قال : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي.

                                                                          (ح) : قال الحافظ أبو بكر : وأخبرنا محمد بن عبد الملك قراءة، قال : أخبرنا عياش بن الحسن، قال : حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، قال : أخبرني زكريا بن يحيى، قال : حدثني ابن بنت الشافعي ، قال : سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود يقول : ما رأيت أحدا إلا وكتبه أكبر من مشاهدته إلا الشافعي فإن لسانه كان أكبر من كتابه.

                                                                          وقال زكريا بن يحيى : حدثني أبو بكر بن سعدان ، [ ص: 374 ] قال : سمعت هارون بن سعيد الأيلي يقول : لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب؛ لاقتداره على المناظرة.

                                                                          وبه قال : أخبرنا إسماعيل بن علي، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الطيني، قال : حدثنا عبد الملك بن محمد ابن عدي، قال : حدثنا محمد بن يزداد، قال : سمعت أحمد بن علي الجرجاني ، يقول : كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي يقول : حدثنا سيد الفقهاء الشافعي!

                                                                          وبه قال : أخبرنا عبد الله بن علي بن عياض القاضي بصور، قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع، قال : قرأت على أبي طالب عمر بن الربيع بن سليمان : حدثكم أحمد بن عبد الله، قال : سمعت حرملة يقول : سمعت الشافعي يقول : سميت ببغداد ناصر الحديث.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم، قال : حدثنا محمد بن خلف بن جيان الخلال، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن دبيس الحداد، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن الجنيد، قال : سمعت الحسن بن محمد يقول : كنا نختلف إلى الشافعي عندما قدم إلى بغداد، ستة أنفس : أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وحارث النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، وأنا، ورجل آخر سماه، وما عرضنا على الشافعي كتبه إلا وأحمد بن حنبل حاضر لذلك.

                                                                          [ ص: 375 ] وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال : حدثنا أحمد بن بندار بن إسحاق، قال : حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح البغدادي، قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال : قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام عندنا سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهرا، ثم خرج، وكان يخضب بالحناء، وكان خفيف العارضين.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد المجهز، قال : سمعت عبد العزيز الحنبلي صاحب الزجاج يقول : سمعت أبا الفضل الزجاج يقول : لما قدم الشافعي إلى بغداد، وكان في المسجد إما نيف وأربعون أو خمسون حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة حلقة ويقول لهم : قال الله، وقال الرسول، وهم يقولون : قال أصحابنا، حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو العباس الفضل بن عبد الرحمن الأبهري، قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الأعلى الأندلسي بأصبهان، قال : سمعت أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي ، قال : سمعت المزني يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عن الشافعي، فقال : من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي؛ فإنه مني وأنا منه.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال : حدثنا أبو بكر [ ص: 376 ] محمد بن إبراهيم بن علي، قال : سمعت إبراهيم بن علي بن عبد الرحيم بالموصل يحكي عن الربيع قال : سمعت الشافعي يقول في قصة ذكرها :

                                                                          لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونها أرض المهامه والقفر     فوالله ما أدري أللفوز والغنى
                                                                          أساق إليها أم أساق إلى قبري؟

                                                                          قال : فوالله ما كان إلا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعا.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أحمد بن أبي جعفر، قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال : ولد الشافعي في سنة خمسين ومائة، ومات في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، عاش أربعا وخمسين سنة.

                                                                          وبه قال : أخبرنا أبو سعد الماليني، قال : أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ قال : قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي بمصر على لوحي حجارة، أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه نسبته إلى إبراهيم الخليل عليه السلام : هذا قبر محمد بن إدريس الشافعي، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة حق وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمر وهو من المسلمين، عليه حي وعليه مات وعليه يبعث حيا إن شاء الله.

                                                                          توفي أبو عبد الله [ ص: 377 ] ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين.

                                                                          وبه قال : أخبرنا إسماعيل الإستراباذي، قال : سمعت طاهر بن محمد البكري يقول : حدثنا الحسن بن حبيب الدمشقي، قال : حدثني الربيع بن سليمان، قال : رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام فقلت : يا أبا عبد الله ما صنع الله بك؟ قال : أجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب.

                                                                          وبه قال : قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي، عن أبي عبد الله محمد بن المعلى الأزدي، قال : قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي يرثي أبا عبد الله الشافعي :

                                                                          بملتفتيه للمشيب طوالع     ذوائد عن ورد التصابي روادع
                                                                          تصرفنه طوع العنان وربما     دعاه الصبا فاقتاده وهو طائع
                                                                          ومن لم يزعه لبه وحياؤه     فليس له من شيب فوديه وازع
                                                                          هل النافر المدعو للحظ راجع     أم النصح مقبول أم الوعظ نافع
                                                                          أم الهمك المهموم بالجمع عالم     بأن الذي يرعى من المال ضائع
                                                                          وأن قصاراه على فرط ضنه     فراق الذي أضحى له وهو جامع
                                                                          ويخمل ذكر المرء ذي المال بعده     ولكن جمع العلم للمرء رافع
                                                                          ألم تر آثار ابن إدريس بعده     دلائلها في المشكلات لوامع
                                                                          معالم يفنى الدهر وهي خوالد     وتنخفض الأعلام وهي فوارع
                                                                          مناهج فيها للهدى متصرف     موارد فيها للرشاد شرائع

                                                                          [ ص: 378 ]

                                                                          ظواهرها حكم ومستنبطاتها     لما حكم التفريق فيه جوامع
                                                                          لرأي ابن إدريس ابن عم محمد     ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع
                                                                          إذا المفظعات المشكلات تشابهت     سما منه نور في دجاهن لامع
                                                                          أبى الله إلا رفعه وعلوه     وليس لما يعليه ذو العرش واضع
                                                                          توخى الهدى فاستنقذته يد التقى     من الزيغ إن الزيغ للمرء صارع
                                                                          ولاذ بآثار الرسول فحكمه     لحكم رسول الله في الناس تابع
                                                                          وعول في أحكامه وقضائه     على ما قضى في الوحي والحق ناصع
                                                                          بطيء عن الرأي المخوف التباسه     إليه إذا لم يخش لبسا مسارع
                                                                          جرت لبحور العلم أمداد فكره     لها مدد في العالمين يتابع
                                                                          وأنشا له منشيه من خير معدن     خلائق هن الباهرات البوارع
                                                                          تسربل بالتقوى وليدا وناشئا     وخص بلب الكهل مذ هو يافع
                                                                          وهذب حتى لم تشر بفضيلة     إذا التمست إلا إليه الأصابع
                                                                          فمن يك علم الشافعي إمامه     فمرتعه في باحة العلم واسع
                                                                          سلام على قبر تضمن جسمه     وجادت عليه المدجنات الهوامع
                                                                          لقد غيبت أثراؤه جسم ماجد     جليل إذا التفت عليه المجامع
                                                                          لئن فجعتنا الحادثات بشخصه     لهن لما حكمن فيه فواجع
                                                                          فأحكامه فينا بدور زواهر     وآثاره فينا نجوم طوالع

                                                                          وبه قال : سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري يقول : لقد جمع أبو بكر بن دريد قوافيه في صدفها [ ص: 379 ] ووضع أوصافه في حقها، فيما رثى به أفصح الفقهاء لسانا، وأبرعهم بيانا، وأجزلهم ألفاظا، وأوسعهم خاطرا، وأغزرهم علما، وأثبتهم نحيرة، وأكثرهم بصيرة :

                                                                          وإذا قرأت كلامه قدرته     سحبان أو يوفي على سحبان
                                                                          لو كان شاهده معد خاطبا     أو ذو الفصاحة من بني قحطان
                                                                          لأقر كل طائعين بأنه     أولاهم بفصاحة وبيان
                                                                          هادي الأنام من الضلالة والعمى     ومجيرها من جاحم النيران
                                                                          رب العلوم إذا أجال قداحه     لم يختلف في فوزهن اثنان
                                                                          ذو فطنة في المشكلات وخاطر     أمضى وأنفذ من شباة سنان
                                                                          وإذا تفكر عالم في كتبه     يبغي التقى وشرائط الإيمان
                                                                          متبينا للدين غير مقلد     يسمو بهمته إلى الرضوان
                                                                          أضحت وجوه الحق في صفحاتها     تومي إليه بواضح البرهان
                                                                          من حجة ضمن الوفاء بنصرها     نص الرسول ومحكم القرآن
                                                                          ودلالة تجلو مطالع سيرها     غر القرائح من ذوي الأذهان
                                                                          حتى ترى متبصرا في دينه     مغلول غرب الشك بالإيقان
                                                                          الله وفقه اتباع رسوله     وكتابه الأصلين في التبيان
                                                                          وأمده من عنده بمعونة     حتى أناف بها على الأعيان
                                                                          وأراه بطلان المذاهب قبله     ممن قضى بالرأي والحسبان!

                                                                          إلى هنا عن الحافظ أبي بكر الخطيب، عن شيوخه.

                                                                          ومناقبه وفضائله كثيرة جدا، قد صنف فيها العلماء قديما [ ص: 380 ] وحديثا، وفيما ذكرنا كفاية، وبالله التوفيق.

                                                                          ذكره البخاري في موضعين من "صحيحه" قال في "الزكاة" عقيب قوله : باب : في الركاز الخمس : وقال مالك وابن إدريس : الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره، وليس المعدن بركاز.

                                                                          وقال في باب تفسير العرايا من البيوع : وقال ابن إدريس : العرية لا تكون [ ص: 381 ] إلا بالكيل من التمر يدا بيد، لا تكون بالجزاف، ومما يقويه قول سهل بن أبي خيثمة : بالأوسق الموسقة.

                                                                          وروى له الباقون سوى مسلم.

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية