الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب بيع المصراة وغيره.

                                                                            2092 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، نا أبو إسحاق الهاشمي ، نا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " . [ ص: 116 ] .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته.

                                                                            أخرجه محمد ، عن عبد الله بن يوسف .

                                                                            وأخرجه مسلم ، عن يحيى بن يحيى .

                                                                            كلاهما عن مالك .

                                                                            قال الإمام: هذا حديث يتضمن فوائد وأحكاما.

                                                                            فأما قوله: "لا تلقوا الركبان" فصورته أن يقع الخبر بقدوم عير تحمل المتاع، فيتلقاها رجل يشتري منهم شيئا قبل أن يقدموا السوق، ويعرفوا سعر البلد، بأرخص.

                                                                            فهذا منهي عنه، لما فيه من الخديعة، وذهب إلى كراهيته أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم.

                                                                            روي فيه عن علي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، ولم يقل أحد منهم بفساد البيع.

                                                                            غير أن الشافعي أثبت للبائع الخيار إذا قدم السوق وعرف سعر البلد، لما روي عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يتلقى الجلب، فإن تلقاه إنسان، فابتاعه، فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق " .

                                                                            وقال أبو سعيد الإصطخري : إنما يكون له الخيار إذا كان المتلقي [ ص: 117 ] قد ابتاعه بأقل من سعر البلد، فإن ابتاعه بسعر البلد أو أكثر، فلا خيار له، وهذا هو الأقيس، وبعضهم أثبت له الخيار على كل حال.

                                                                            ولم يكره أصحاب الرأي التلقي، ولا جعلوا لصاحب السلعة الخيار إذا قدم السوق، والحديث حجة عليهم.

                                                                            قوله: "ولا يبيع بعضكم على بيع بعض" يروى " ولا يبع " على سبيل النهي، وهو أن يشتري رجل شيئا وهما في مجلس العقد ولم يتفرقا وخيارهما باق، فيأتي الرجل ويعرض على المشتري سلعة مثل ما اشترى أو أجود بمثل ثمنها أو أرخص، أو يجيء إلى البائع فيطلب ما باعه بأكثر من ثمنه الذي باعه من الأول حتى يندم، فيفسخ العقد، فيكون البيع بمعنى الاشتراء، كما قال عليه السلام: " لا يخطب على خطبة أخيه " ، والمراد منه طلب ما طلبه أخوه، كذلك هذا.

                                                                            ثم هذا الطالب إن كان قصده رد عقدهما ولا يريد شراءه، يكون عاصيا، سواء كان عالما بالحديث أو لم يكن، وإن قصد غبطة أحدهما، فلا يعصي إلا أن يكون عالما بالحديث.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية