الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2043 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح ، وأبا طلحة الأنصاري ، وأبي بن كعب ، شرابا من فضيخ وتمر، فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد حرمت.

                                                                            فقال أبو طلحة : قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها.

                                                                            فقمت إلى مهراس لنا، فضربتها بأسفله حتى تكسرت.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد ، عن يحيى بن قزعة .

                                                                            وأخرجه مسلم ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب .

                                                                            كل عن مالك . [ ص: 33 ] .

                                                                            قال الإمام: فيه دليل على أن المسكر المتخذ من غير العنب والرطب ، خمر.

                                                                            وفي سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن إراقتهم الخمر وترك الإنكار عليهم، دليل على أنه لا سبيل إلى تطهيرها بالمعالجة، إذ لو كان إلى تطهيرها سبيل لأرشدهم إليه، كما أرشدهم إلى دباغ جلد الميتة.

                                                                            وقد صح عن يحيى بن عباد ، عن أنس ، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيتخذ الخمر خلا؟ قال: "لا " .

                                                                            وروي عن أنس بن مالك أن أبا طلحة الأنصاري سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا ؟ قال: "أهرقها" قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال: "لا " .

                                                                            ولو كانت تطهر بالمعالجة، لكان لا يأمر بإراقتها مع وجوب مراعاة حق اليتيم في ماله، وهذا قول عمر بن الخطاب ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وكرهه سفيان ، وابن المبارك .

                                                                            وكره قوم إمساكها بعد ما عرفها خمرا إلى أن تصير خلا، وحمل الحديث عليه من حيث إنه لا ينبغي أن يكون في بيت مسلم خمر.

                                                                            قال مالك : لا أحب لمسلم ورث خمرا أن يحبسها يخللها، لكن إن صارت خلا لم أر بأكله بأسا.

                                                                            وقيل لابن المبارك: كيف يتخذ الخل بأن لا يأثم الرجل؟ قال: انظر خلا ثقيفا، فصب على العصير قدر ما لا يغلبه العصير، فإن لم يغلبه العصير لم يغل .

                                                                            وعن أحمد نحوه، وقال: ما يعجبني أن يكون في بيت الرجل المسلم خمر، ولكن يصب على العصير من الخل حتى يتغير.

                                                                            ورخص في تحليل الخمر ومعالجتها: عطاء بن أبي رباح ، وعمر بن عبد العزيز ، وبه قال أبو حنيفة . [ ص: 34 ] .

                                                                            قال الإمام: أما كسر الدن، وشق الزق، الذي لا يصلح إلا للخمر، فمشروع، فإن صلح لغيره، فلا يفعل.

                                                                            وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى يوم خيبر نيرانا توقد على الحمر الإنسية، فقال: " اكسروها، وأهريقوها " فذلك للمبالغة في الزجر، والمنع عن أكل لحوم الحمر الإنسية، ليتبين لهم تحريمها، لا لتحقيق فعل الكسر، بدليل أنهم لما قالوا: نهريقها ونغسلها، قال: " اغسلوها ".

                                                                            فأما الصنم، والصليب، والطنبور، والملاهي، فتكسر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن ينزل ابن مريم حكما عدلا، يقتل الخنزير، ويكسر الصليب " .

                                                                            وهتك النبي صلى الله عليه وسلم سترا فيه تماثيل.

                                                                            فإن كان الطنبور، والملاهي، بحيث لو حلت أوتارها صلحت للمباح، فلا تكسر وتحل.

                                                                            أتي شريح في طنبور كسر، فلم يقض فيه بشيء. [ ص: 35 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية