الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب خيار الشرط.

                                                                            2052 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه يخدع في البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بايعت فقل: لا خلابة " .

                                                                            قال: فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته.

                                                                            أخرجه محمد ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك .

                                                                            وأخرجه مسلم ، عن علي بن حجر ، وغيره عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار .

                                                                            الخلابة: الخديعة، وهي مصدر خلبت الرجل: إذا خدعته، أخلبه خلبا وخلابة.

                                                                            وفي المثل: إذا لم تغلب فاخلب، يقول: إذا أعياك الأمر مغالبة، فاطلبه مخادعة.

                                                                            قال الإمام رحمه الله: قد يحتج بهذا الحديث من لا يرى الحجر على [ ص: 47 ] الحر البالغ، ولو جاز الحجر عليه لمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من البيع حين علم ضعف عقله وكثرة غبنه.

                                                                            وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الحر البالغ إذا كان مفسدا لماله سفيها، يحجر عليه.

                                                                            وهو قول علي ، وعثمان ، والزبير ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            حتى قال الشافعي : لو كان فاسقا يحجر عليه، وإن كان غير مفسد لماله.

                                                                            وقد روي في هذا الحديث عن قتادة ، عن أنس ، أن أهل هذا الرجل أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله احجر عليه.

                                                                            فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني لا أصبر عن البيع. قال: " إذا بايعت، فقل لا خلابة " .

                                                                            وقيل: كان اسم ذلك الرجل حبان بن منقذ .

                                                                            واختلف الناس في تأويل هذا الحديث، وفي جواز رد البيع بالغبن.

                                                                            فذهب بعضهم إلى أنه خاص في أمر حبان جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول شرطا في بيوعه، ليكون له الرد إذا تبين الغبن في صفقته.

                                                                            وقال بعضهم: الخبر عام في حق كافة الناس، إذا ذكر هذه الكلمة في البيع كان له الرد إذا ظهر الغبن في بيعه.

                                                                            وهو قول أحمد ، وكان سبيله سبيل من باع أو اشترى على شرط الخيار.

                                                                            وذهب أكثر الفقهاء إلى أن البيع إذا صدر عن غير محجور عليه، فلا رد له بالغبن.

                                                                            وقال مالك : إذا لم يكن المشتري ذا بصيرة، فله [ ص: 48 ] الخيار إذا كان مغبونا، وقال أبو ثور : إذا كان غبنا لا يتغابن الناس بمثله فالبيع فاسد.

                                                                            قال الإمام: والحديث يدل على جواز شرط الخيار في البيع.

                                                                            وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، فإن شرط أكثر منها، فسد البيع.

                                                                            وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ، لأن الخيار يمنع مقصود البيع، فكان القياس أن لا يجوز.

                                                                            غير أنه جوز خيار الثلاث، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اشترى مصراة، فهو بالخيار ثلاثة أيام " ، فلا يجوز أن يزاد عليها إلا بخبر.

                                                                            وقال ابن أبي ليلى : يجوز زائدا بعد أن تكون المدة معلومة كالأجل، وبه قال أبو يوسف .

                                                                            وقال مالك : يجوز قدر الحاجة إليه في معرفة المبيع، ففي الثوب يومان وثلاثة، وفي الحيوان أسبوع ونحوه، وفي الدور شهر ونحوه، وفي الضيعة سنة ونحوها.

                                                                            ولا يجوز شرط الخيار في كل عقد يشترط فيه قبض العوضين في المجلس، مثل عقد الصرف، وبيع الطعام بالطعام، ولا فيما يشترط فيه قبض أحد العوضين، وهو عقد السلم، لأن القبض شرط فيها لكي يتفرقا عن عقد لازم لا علاقة بينهما، وشرط الخيار ينفي هذا المعنى.

                                                                            ولا يجوز خيار الشرط في عقد الإجارة على أصح الوجوه. [ ص: 49 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية