الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب بيع الرطب بالتمر.

                                                                            2068 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، أن زيدا أبا عياش أخبره، أنه سأل سعد بن أبي وقاص ، عن البيضاء بالسلت فقال: أيتهما أفضل؟ فقال: البيضاء.

                                                                            فنهاه عن ذلك وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء التمر بالرطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا: نعم. " فنهاه عن ذلك " .

                                                                            قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

                                                                            والبيضاء: نوع من البر أبيض اللون، وفيه رخاوة يكون ببلاد مصر .

                                                                            والسلت: نوع آخر غير البر.

                                                                            وقال بعضهم: البيضاء: الرطب من السلت، وهذا أليق بمعنى الحديث، بدليل أنه شبهه بالرطب مع التمر، ولو اختلف الجنس لم يصح [ ص: 79 ] التشبيه.

                                                                            والسلت: حب لا قشر عليه.

                                                                            وقوله عليه السلام: " أينقص الرطب إذا يبس؟ " سؤال تقرير لينبههم به على علة الحكم ، لا سؤال استفهام، لأن انتقاص الرطب بالجفاف مما لا يخفى على عاقل.

                                                                            وهذا الحديث أصل في أنه لا يجوز بيع شيء من المطعوم بجنسه، وأحدهما رطب والآخر يابس، مثل بيع الرطب بالتمر، وبيع العنب بالزبيب، واللحم الرطب بالقديد، وهذا قول أكثر أهل العلم.

                                                                            وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وجوزه أبو حنيفة وحده.

                                                                            وأما بيع الرطب بالرطب، وبيع العنب بالعنب، فلم يجوزه الشافعي رحمه الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أينقص الرطب إذا يبس؟ " فاعتبر التفاوت الذي يظهر بينهما في المتعقب عند جفاف الرطب في منع العقد، فكذلك لا يجوز بيع الرطب بالرطب؛ لأنهما في المتعقب مجهولا المثل تمرا، وجوزه الآخرون.

                                                                            وكذلك لا يجوز بيع اللحم باللحم، وهما رطبان، فإن كانا قديدين يجوز، كما يجوز بيع التمر بالتمر، والزبيب بالزبيب.

                                                                            ولا يجوز بيع مطعوم مطبوخ بجنسه مطبوخا ولا نيئا، ويجوز بيع التمر الحديث بالعتيق، والبر الحديث بالعتيق، إلا أن يكون في الحديث ندوة لو زالت لظهر النقصان في الكيل، فلا يجوز كبيع الرطب بالتمر.

                                                                            وجوز الشافعي بيع عصير العنب بعصير العنب، وخله بخله، فإن كان في أحد الخلين أو فيهما ماء، لم يجز، وكذلك جوز بيع اللبن باللبن، والدهن بالدهن، متساويين في الكيل، [ ص: 80 ] فإن اختلف الجنس مثل أن باع عصير العنب بعصير الرطب، ولبن الشاة بلبن البقر، أو دهن السمسم بدهن الجوز، يجوز متفاضلا وجزافا، يدا بيد.

                                                                            وكذلك لحم البقر بلحم الشاة على أظهر القولين، وفيه قول آخر: إن اللحم جنس واحد، فلا يجوز بيع لحم الشاة بلحم الإبل والبقر، إلا على الصفة التي يجوز بيع لحم الشاة بلحم الشاة.

                                                                            وكذلك: لا يجوز بيع أصل شيء فيه الربا بفرعه، مثل: بيع اللبن بكل ما يتخذ منه، من: زبد، وسمن، ومخيض، وبيع العنب بكل ما يتخذ منه، من: عصير، وخل، ودبس، وبيع السمسم بما يتخذ منه، من: دهن، وكسب، وكذلك لا يجوز بيع الحنطة بالدقيق، ولا بالخبز، ولا بالسويق، ولا بيع الدقيق بالدقيق، ولا الخبز بالخبز.

                                                                            وجوز مالك بيع الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، وهو قول أحمد ، وإسحاق ، قالا: لا بأس ببيع الدقيق بالبر وزنا بوزن.

                                                                            وقال مالك : لا بأس بالخبز إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل، وإن لم يوزن.

                                                                            وجوز الأوزاعي بيع الخبز بالخبز، وهو قول أبي ثور . [ ص: 81 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية