الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2203 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، قالا: أنا أبو بكر الحيري ، أنا أبو العباس الأصم . ح

                                                                            وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أنا أبو بكر الحيري ، قال: أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن الحسن بن مسلم ، عن طاوس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده " ورواه حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن طاوس ، عن ابن عمر ، وابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                            وكذلك رواه مسدد عن يزيد بن زريع ، عن حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن طاوس .

                                                                            قال الإمام رحمه الله: من وهب شيئا بشرط الثواب فهو لازم، ثم ذهب بعض أهل العلم إلى أنها معاوضة يثبت فيها أحكام المعاوضات من الرد بالعيب، وخيار الثلاث، وخيار المكان، وحكم الربا، ويجب [ ص: 301 ] أن يكون الثواب معلوما، وقيل: ليس بمعاوضة لا يثبت فيها الرد بالعيب، ولا خيار الثلاث، ويجوز مع جهالة الثواب، فإن لم يثب رجع، ولو وهب شيئا من مال الربا ليثيبه بما يوافقه في العلة لا يشترط التقابض في المجلس، واختلفوا في الهبة المطلقة التي لم يشترط فيها الثواب، فذهب غير واحد من الفقهاء إلى أنها تقتضي الثواب، لما روي عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها " .

                                                                            وروي عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، أن أعرابيا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة، فعوضه منها بست بكرات، فتسخط، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله، وثنى عليه، ثم قال: "إن فلانا أهدى إلي ناقة، فعوضته منها بست بكرات، فظل ساخطا، لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي، أو أنصاري، أو ثقفي، أو دوسي" .

                                                                            ومنهم من جعل الناس في الهدايا على ثلاث طبقات: هبة الرجل ممن هو دونه، فهو إكرام وإلطاف لا يقتضي الثواب، وكذلك هبة النظير من النظير، لأنه يقصد بها التودد والتقرب، وأما هبة الأدنى من الأعلى فيقتضي الثواب، لأن المعطي يقصد بها الرفد والثواب، ثم قدر ذلك الثواب على العرف والعادة، وقيل: قدر قيمة الموهوب، وقيل: حتى [ ص: 302 ] يرضى الواهب، كما روى أبو هريرة من هدية الأعرابي، وظاهر مذهب الشافعي ، رضي الله عنه، أن الهبة المطلقة لا تقتضي الثواب، سواء وهب لنظيره، أو لمن دونه أو فوقه.

                                                                            وكل من أوجب الثواب إذا لم يثب، كان للواهب الرجوع في هبته، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من وهب هبة لصلة الرحم، أو على وجه الصدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى إنما أراد بها الثواب، فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها.

                                                                            وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي امرأة تخرج من عند عائشة معها شيء تحمله، فقال لها: ما هذا، فقالت: أهديته لعائشة ، فأبت أن تقبله مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين دخل عليها: ألا قبلتيه منها مرة واحدة، قالت: يا رسول الله إنها محتاجة، وهي كانت أحوج إليه مني، قال: فهلا قبلتيه وأعطيتها خيرا منه ".

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية