الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2061 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، [ ص: 65 ] ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته.

                                                                            أخرجه محمد ، عن عبد الله بن يوسف .

                                                                            وأخرجه مسلم ، عن يحيى بن يحيى .

                                                                            كلاهما عن مالك .

                                                                            قوله: "لا تشفوا" أي: لا تفضلوا، يقال: أشف، أي: أفضل، وشف يشف: أي: فضل.

                                                                            وفي الحديث: نهي عن شف ما لم يضمن، أي: ربح ما لم يضمن.

                                                                            والشف: النقصان أيضا، وهو من الأضداد.

                                                                            والناجز: الحاضر، يقال: نجز ينجز نجزا، إذا حضر، وأنجز الوعد أي: أحضره.

                                                                            وفي الحديث بيان تحريم الفضل والنساء في الصرف عند اتفاق الجنس.

                                                                            وفي الحديث دليل على أنه لو باع حليا من ذهب بذهب لا يجوز إلا متساويين في الوزن، ولا يجوز طلب الفضل للصنعة، لأنه يكون بيع ذهب بذهب مع الفضل.

                                                                            قال الإمام: وفيه دليل على أنه لو باع مال الربا بجنسه ومعهما، أو [ ص: 66 ] مع أحدهما، شيء آخر، مثل أن باع درهما ودينارا بدينارين أو بدرهمين، أو باع درهما وثوبا بدرهمين أو بدرهم وثوب، لا يجوز، لأن اختلاف الجنس في أحد شقي الصفقة يوجب توزيع ما في مقابلتهما عليهما باعتبار القيمة، وعند التوزيع يظهر الفضل، أو يوجب الجهل بالتماثل حالة العقد، والجهل بالتماثل في بيع مال الربا بجنسه بمنزل يقين التفاضل في إفساد البيع.

                                                                            وإلى هذا ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول شريح ، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وإليه ذهب ابن المبارك، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            والدليل عليه ما روي عن فضالة بن عبيد قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بخيبر، بقلادة فيها خرز وذهب، ابتاعها رجل بسبعة دنانير، أو تسعة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تباع حتى تفصل " ، وفي رواية: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده، ثم قال: " الذهب بالذهب وزنا بوزن " هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم في جامعه.

                                                                            وقوله: "حتى تفصل" ويروى: " حتى تميز" أراد به التمييز بين الخرز والذهب في العقد، لا تمييز عين المبيع بعضه عن بعض.

                                                                            وجوزه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أصحاب الرأي، إذا كان الذهب الذي هو الثمن أكثر من الذهب مع السلعة، وجعلوا الفضل في مقابلة غير الجنس، فإن كان الذهب الذي هو الثمن أقل أو مثله، لم يجز.

                                                                            وذهب مالك إلى نحو من هذا، إلا أنه حد الكثرة بالثلثين.

                                                                            وقال حماد بن أبي سليمان : يجوز، سواء كان الثمن أقل أو أكثر.

                                                                            وهذا الذي [ ص: 67 ] ذكروه خلاف قضية العقود، فإن العلماء اتفقوا على أنه لو باع شقصا من ربع مشفوعا وثوبا بمائة، وقيمة الشقص مثلا قيمة الثوب، أن الشفيع يأخذ الشقص بثلثي المائة، فعلى قضية هذا يلزم من جوز بيع مال الربا بجنسه مع غيره أن يقول: لو باع شقصا مشفوعا وصاع بر بصاعي بر، وقيمة الشقص قيمة الصاع، يأخذ الشفيع الشقص بثلثي الصاعين، وحينئذ يبقى صاع بمقابلة ثلثي صاع، وبالاتفاق لو باع صاع بر بثلثي صاع يكون البيع فاسدا.

                                                                            فأما إذا باع فضة وسلعة بذهب فجائز عند أكثر الفقهاء، وهو أصح قولي الشافعي، وله قول آخر: إنه لا يجوز لما فيه من اختلاف الحكم من حيث إن التقابض فيما يقابل الفضة من الذهب شرط، وفيما يقابل السلعة ليس بشرط.

                                                                            وكذلك كل صفقة جمعت مختلفي الحكم بأن جمع بين بيع وسلم، أو بيع عين وإجارة، فله في صحتها قولان أصحهما: الجواز.

                                                                            وحكي عن مالك أنه قال: لا يجوز بيع دراهم وسلعة بدينار، إلا أن تكون الدراهم يسيرة، وهذا لا وجه له، والله أعلم.

                                                                            ولو باع مد عجوة ومد صيحاني بمدي عجوة، أو بمدي صيحاني، أو بمد عجوة ومد صيحاني، أو راطل مائة دينار عتق مروانية ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار من ضرب وسط، لا يجوز، وإن كان الوزن واحدا.

                                                                            هذا قول مالك ، والشافعي ، وجماعة، لما ذكرنا أن اختلاف النوع في أحد شقي العقد يوجب توزيع ما في مقابلته عليه باعتبار القيمة، وعند التوزيع ربما يظهر الفضل. [ ص: 68 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية