الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2121 - أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال ، نا يحيى بن الربيع المكي ، نا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعاما، فقال: كيف تبيع؟ فأخبره، فأوحي إليه أن أدخل يدك فيها، فأدخل، فإذا هو مبلول، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 167 ] " ليس منا من غشنا " .

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            وقوله: "من غش فليس مني" لم يرد به نفيه عن دين الإسلام، إنما أراد أنه ترك اتباعي، إذ ليس هذا من أخلاقنا وأفعالنا، أو ليس هو على سنتي وطريقتي، في مناصحة الإخوان، هذا كما يقول الرجل لصاحبه: أنا منك يريد به الموافقة والمتابعة، قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن إبراهيم عليه السلام: ( فمن تبعني فإنه مني ) والغش: نقيض النصح، مأخوذ من الغشش، وهو المشرب الكدر.

                                                                            قال الإمام: والتدليس في البيع حرام، مثل أن يخفي العيب، أو يصري الشاة، أو يغمر وجه الجارية، فيظنها المشتري حسناء، أو يجعد شعرها، غير أن البيع معه يصح، ويثبت للمشتري الخيار إذا وقف عليه، وروي أن عبد الرحمن بن عوف ، ابتاع وليدة من عاصم بن عدي ، فوجدها ذات زوج فردها.

                                                                            ولو اطلع المشتري على العيب بعد ما هلك ما اشتراه في يده، أو كان عبدا قد أعتقه، فيرجع بالأرش، وهو أن ينظر: كم نقص العيب من قيمته، فيسترجع بنسبته من الثمن.

                                                                            وقال شريح : لا يرد العبد من الادفان، ويرد من الإباق البات، والادفان: أن يروغ عن مواليه اليوم أو اليومين، ولا يغيب عن المصر، وعنه: أنه كان يرد الرقيق من العبس، وهو البول في الفراش، فأما إذا باع عبدا قد ألبسه ثوب الكتبة، أو [ ص: 168 ] زياه بزي أهل حرفة، فظنه المشتري كاتبا أو محترفا بتلك الحرفة، فلم يكن، فلا خيار له على أصح المذهب، لأن الرجل قد يلبس ثوب الغير عارية، والمشتري هو الذي اغتر به فلا خيار له.

                                                                            ولو كذب البائع في رأس المال، فكذلك يصح معه البيع، ولا خيار للمشتري إلا في بيع المرابحة، فإنه إذا اشترى شيئا، ثم باعه مرابحة، وكذب في رأس ماله، بأن كان قد اشتراه بمائة فقال: اشتريته بمائة وعشرة، فالبيع صحيح، وهل تحط الخيانة؟ فيه قولان، أحدهما: لا تحط وللمشتري الخيار، وهو قول ابن أبي ليلى ، وأبي حنيفة ، والثاني، وهو الأصح: تحط الخيانة ولا خيار للمشتري، وهو قول أبي يوسف ، وفيه قول آخر: إن المشتري بالخيار، وإن حطت الخيانة.

                                                                            ولو اشترى شيئا فولاه الغير أو أشركه فيه، يجوز إذا فعله بعد القبض، وبين قدر الشركة، وهو بمنزلة عقد جديد يعقده المشتري، لا يجوز إلا بعد قبض ما اشتراه، فإن كذب في رأس المال فيهما لا تصح التولية والتشريك، لأن العقد الثاني فيهما ينبني على الأول. [ ص: 169 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية