الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب مطل الغني.

                                                                            2152 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، [ ص: 210 ] عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ، فليتبع " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد ، عن عبد الله بن يوسف ، وأخرجه مسلم ، عن يحيى بن يحيى .

                                                                            كلاهما عن مالك .

                                                                            قوله: "أتبع أحدكم" بالتخفيف معناه: أحيل أحدكم على مليء، "فليتبع" أي: فليحتل، يقال: أتبعت غريمي على فلان فتبعه، أي: أحلته فاحتال، وتبعت الرجل بحقي أتبعه تباعة، إذا طالبته به، وأنا تبيعه، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ) أي: تابعا مطالبا بالثأر.

                                                                            وقوله: "فليتبع" ليس ذلك على طريق الوجوب، بل على طريق الإباحة إن اختار، قبل الحوالة وإن شاء لم يقبل، وزعم داود أن صاحب الحق إذا أحيل على مليء، يجب عليه أن يقبل، فإن أبى يكره عليه، وإذا قبل الحوالة، تحول الدين من المحيل إلى ذمة المحال عليه، ولا رجوع للمحتال على المحيل من غير عذر، فإن أفلس المحال عليه أو مات ولم يترك وفاء، اختلف أهل العلم فيه، فذهب قوم إلى أنه لا رجوع له على المحيل بحال، وهو قول علي ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وقال إسحاق : إلا أن يراه المحتال حالة قبول الحوالة مليئا، فبان معسرا، رجع على المحيل، واحتج [ ص: 211 ] هؤلاء بقوله: " إذا أتبع أحدكم على مليء" والحوالة تصح على غير المليء، ففائدة ذكر الملاءة في الحديث سقوط سبيل المحتال على المحيل بعد ما قبل الحوالة على من هو مليء، ولا ينظر إلى حدوث الفلس والموت من بعد، لأن الدين قد تحول من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وسميت "الحوالة" لهذا.

                                                                            وذهب قوم إلى أنه يرجع على المحيل إذا أفلس المحال عليه أو مات ولم يترك وفاء، وهو قول أصحاب الرأي، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بأن يتبع المحال عليه إذا كان مليئا، فثبت أنه إذا لم يكن مليئا يرجع على المحيل، والأول أولى، لأنه إنما اشترط الملاءة وقت الحوالة لا فيما بعدها، وقيل: إن أفلس في حياته، لا يرجع على المحيل، لأن المعسر قد يوسر، وإذا مات، ولم يترك وفاء، يرجع، وقال ابن عباس : لا بأس أن يتخارج الشريكان وأهل الميراث، فيأخذ هذا عينا وهذا دينا فإن توى لأحدهما، لم يرجع على صاحبه.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية