الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2132 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا أبو العباس الأصم ح .

                                                                            وأنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، نا الشافعي ، نا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه " . [ ص: 185 ] .

                                                                            قال الشافعي ، رضي الله عنه: غنمه: زيادته، وغرمه: هلاكه ونقصه، قال الشافعي : أخبرنا الثقة ، عن يحيى بن أبي أنيسة ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، أو مثل معناه، لا يخالفه.

                                                                            قوله: "لا يغلق الرهن" ، معناه: لا يستغلق بحيث لا يعود إلى الراهن، بل متى أدى الحق للمرهون به، افتك وعاد إلى الراهن.

                                                                            وحكي عن إبراهيم في تفسيره: هو أن يقول الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا، وإلا فالرهن لك بحقك، قال إبراهيم : لا يغلق الرهن، يعني: لا يستحقه المرتهن بأن يدع الراهن أداء حقه، ويروى مثل هذا التفسير ، عن طاوس ، وسفيان الثوري ، ومالك .

                                                                            ومعنى قوله: " له غنمه وعليه غرمه" على هذا التفسير: أن الرهن يرجع إلى الراهن، فيكون غنمه له، ويرجع رب الحق عليه بحقه، فيكون غرمه عليه، وشرطهما باطل.

                                                                            وقوله: " الرهن من صاحبه" قيل: أراد لصاحبه، وقيل: من ضمان صاحبه، وقوله: "له غنمه" فيه دليل على أن الزوائد التي تحصل منه تكون للراهن، وقوله: "وعليه غرمه" فيه دليل على أنه إذا هلك في يد المرتهن، يكون من ضمان الراهن، ولا يسقط بهلاكه شيء من حق المرتهن، وبه قال جماعة من أهل العلم، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وذهب قوم إلى أن قيمة الرهن إن كان قدر الحق يسقط بهلاكه الحق، وإن كانت قيمته أقل من الحق، فبقدر قيمته من الحق يسقط، والباقي واجب على الراهن، وإن كانت أكثر من الحق، يسقط الحق، ولا يجب ضمان الزيادة على المرتهن، وهو قول النخعي ، وإليه [ ص: 186 ] ذهب سفيان الثوري ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وروي عن شريح ، والحسن ، والشعبي : ذهبت الرهان بما فيها.

                                                                            واختلفوا فيما يحدث من الرهن من ولد وثمر، فذهب قوم إلى أنه خارج عن الرهن، وكذلك جميع الزوائد المنفصلة عنه، وهو قول الشافعي ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنها مرهونة كالأصل، غير أنهما يفترقان في الضمان، فالأصل مضمون، والحادث منه غير مضمون، وقال مالك : الولد الذي يحدث مرهون، والثمرة خارجة عن الرهن.

                                                                            قال الإمام: وإذا دل الحديث على أن منافع الرهن للراهن، ففيه دليل على أن دوام القبض ليس بشرط في الرهن، لأن الراهن لا يركبها إلا وهي خارجة من قبض المرتهن، فيخرج منه جواز رهن المشاع، ولم يجوزه أصحاب الرأي، ولا يجوز للراهن أن ينتفع بالرهن على وجه ينتقص به قيمته، على قول من يجعل المنفعة له، ويستعمل الدابة المرهونة بالنهار، ويردها إلى المرتهن بالليل، ولا يسافر عليها، والله أعلم.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية