الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2211 - أخبرنا أبو منصور بن عبد الملك المظفري السرخسي ، أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل ، نا أبو حفص عمر بن أحمد الجوهري ، نا سعيد بن مسعود ، نا يزيد بن هارون ، نا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال: " سمعت رجلا من مزينة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل، فقال: معها حذاؤها وسقاؤها، تأكل الشجر وترد الماء، دعها حتى يأتي باغيها .

                                                                            وسأله عن ضالة الغنم، فقال: إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، احبسها حتى يأتي باغيها.

                                                                            ثم سأله عن حريسة الجبل تؤخذ من مراتعها، قال: فيها ثمنها مرتين وضرب نكال، فما أخذ منها من أعطانه، ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن.

                                                                            وسأله عن الثمار، فقال: ما كان في أكمامها، فمن أكل بفمه، ولم يتخذ خبنة، فليس عليه شيء، ومن وجد قد حمل، ففيه ثمنه مرتين، وضرب نكال، ومن أخذ من أجرانه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن.

                                                                            قال: يا رسول الله ما نجد في السبيل العامر من اللقطة؟ قال: عرفها حولا، فإن جاء صاحبها، وإلا فهي لك.

                                                                            قال: [ ص: 319 ] يا رسول الله ما نجد في الخراب العادي؟، قال: فيه وفي الركاز الخمس "
                                                                            .

                                                                            قال الإمام: أراد بحريسة الجبل: البقر، أو الشاة، أو الإبل، المأخوذة من المرعى، يقال: احترس الرجل، إذا أخذ الشاة من المرعى، وإيجاب الثمن مرتين يشبه أن يكون على سبيل الوعيد والزجر، وإلا فالشيء المتلف لا يضمن بأكثر من ثمن مثله، وكان عمر بن الخطاب يحكم به، وإليه ذهب أحمد بن حنبل ، وقد قيل: كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات في الأموال، ثم نسخ، والله أعلم، وأراد "بضرب النكال" التعزير.

                                                                            وقوله: "وما سرق منها من أعطانه" أراد به: إذا كان البعير محرزا في مراحه، أو عطنه، فيجب القطع على سارقه، وإن كان مرسلا في صحراء أو جبل ليس له حافظ فلا قطع على من أخذه، والمراد من "ثمن المجن" ثلاثة دراهم، فقد روي عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم" .

                                                                            وجعل بعض العلماء الحد فيما يجب فيه القطع ثلاثة دراهم. [ ص: 320 ] .

                                                                            وقوله في الثمار: " من أكل بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء " ، فالخبنة: ما يحمله الرجل في ثوبه، ويرفعه إلى فوق، يقال للرجل إذا رفع ذيله في المشي: قد رفع خبنته، قال ابن الأعرابي : أخبن الرجل إذا خبأ في خبنة سراويله مما يلي البطن، وأثبن: إذا خبأ في ثبنته مما يلي الظهر.

                                                                            ففيه إباحة الأكل من الثمر المعلق على ما ذهب إليه بعض أهل العلم، أو لضرورة تدعو إلى الأكل، وأوجب على الحامل الغرم والنكال، وهو التعزير، لأنه ليس من باب الضرورة، ولم يوجب القطع لعدم الحرز، فإن حوائط المدينة لم يكن لها حيطان تكون بها الثمرة محرزة.

                                                                            وقوله: " ومن أخذ من أجرانه " فهو جمع الجرين، وهو البيدر وهو حرز الثمار، كما أن المراح حرز للغنم، لأن حرز الأشياء على حسب عادات الناس في أمثالها، فأوجب القطع في الثمر، بعد ما آواه الجرين لوجود الحرز.

                                                                            ومن وجد مالا في طريق مسلوك، فهو لقطة، وإن وجد في أرض العادية التي لم يجر عليها ملك في الإسلام، فهو ركاز يجب فيه الخمس، والباقي للواجد، والله أعلم.

                                                                            ومن اشترى أرضا، فوجد فيها دفينا، كان لبائعه إن ادعاه، وإن لم يدعه، رجع إلى من تلقى بائعه الملك منه، فإن تنازع فيه البائع والمشتري كان للمشتري، لأن اليد له.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية