الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2216 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله [ ص: 326 ] النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا مسلم بن إبراهيم ، نا وهيب ، نا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي، فهو لأولى رجل ذكر " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم ، عن عبد الأعلى بن حماد ، عن وهيب .

                                                                            قوله: "ألحقوا الفرائض" أي: أعطوا ذوي السهام سهامهم.

                                                                            قوله: "لأولى رجل"، أي: لأقرب رجل، والولي: القرب، وأراد قرب النسب، وقوله سبحانه وتعالى: ( أولى لك فأولى ) ، أي: قاربك ما تكره، فاحذر.

                                                                            وذكر: " الذكر" للتأكيد، كما قال في الزكاة: "فابن لبون ذكر".

                                                                            قال الإمام: أسباب الميراث ثلاثة: نسب ونكاح وولاء، فالمراد بالنسب أن القرابة: يرث بعضهم من بعض، وبالنكاح: أن أحد الزوجين يرث الآخر، وبالولاء: أن المعتق وعصابته يرثون من المعتق.

                                                                            وجملة الورثة: سبعة عشر، عشرة من الرجال، وسبعة من النساء، فمن الرجال: الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد أب الأب وإن علا، والأخ، سواء كان لأب وأم أو لأب أو لأم، وابن الأخ لأب وأم أو لأب وإن سفل، والعم للأب والأم أو للأب، وابناهما وإن سفلوا، والزوج، والمعتق، [ ص: 327 ] ومن النساء: البنت، وبنت الابن وإن سفلت، والأم، والجدة أم الأم، أو أم الأب، والأخت سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم، والزوجة، والمعتقة.

                                                                            وستة من هؤلاء لا يلحقهم حجب الحرمان بالغير: الأب، والابن، والزوج، والأم، والبنت، والزوجة.

                                                                            وهؤلاء الورثة ينقسمون إلى أصحاب فرائض، وعصبات، فأصحاب الفرائض: من لهم فروض مقدرة، والعصبة: من يحوز جميع التركة إذا انفرد، وإن كان معه صاحب فرض أخذ ما فضل عن صاحب الفرض، فتوريث الولاء توريث تعصيب، وتوريث الزوجية توريث فرض.

                                                                            أما أهل النسب، فمنهم من يرث بالفرضية، وهم: الأم، والجدة، وأولاد الأم، ومنهم من يرث بالتعصيب، وهم: الابن، وابن الابن، والأخ، وابن الأخ، والعم، وابن العم، ومنهم من يرث تارة بالفرضية وتارة بالتعصيب، وهم: الأب، يرث بالتعصيب فإن كان للميت ولد يرث الأب بالفرضية السدس، وكذلك البنت، ترث بالفرضية فإن كان معها ابن عصبها، وكان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك الأخت، للأب والأم أو للأب، ترث بالفرضية فإن كان معها أخ عصبها، وكان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، والأخت، للأب والأم أو للأب، تصير عصبة أيضا مع البنت، فلها الباقي بعد فرض البنت.

                                                                            والفروض ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.

                                                                            فالنصف: فرض ثلاثة: فرض الزوجة عند عدم الولد، لقوله سبحانه وتعالى: ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ) ، [ ص: 328 ] وفرض البنت الواحدة للصلب، أو للابن إذا لم يكن ولد الصلب، لقوله عز وجل: ( وإن كانت واحدة فلها النصف ) ، وفرض الأخت الواحدة للأب والأم أو للأب، إذا لم يكن ولد لأب وأم، لقوله سبحانه وتعالى: ( وله أخت فلها نصف ما ترك ) .

                                                                            والربع: فرض الزوج إذا كان للميتة ولد، وفرض الزوجة إذا لم يكن للميت ولد، لقوله سبحانه وتعالى ( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ) .

                                                                            والثمن: فرض الزوجة إذا كان للميت ولد، لقوله سبحانه وتعالى: ( فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ) ، والزوجتان والثلاث والأربع يشتركن في الربع والثمن.

                                                                            والثلثان: فرض البنتين للصلب فصاعدا، أو للابن عند عدم ولد الصلب لقوله سبحانه وتعالى: ( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) ، وفرض الأختين للأب والأم، أو للأب فصاعدا، لقوله سبحانه وتعالى: ( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) .

                                                                            والثلث: فرض ثلاثة: فرض الأم، إذا لم يكن للميت ولد، ولا اثنان من الإخوة، لقوله عز وجل: ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) ، وفرض الاثنين من أولاد الأم فصاعدا، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء، [ ص: 329 ] لقوله سبحانه وتعالى: ( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) ، وفرض الجد مع الإخوة للأب والأم، أو للأب في بعض الأحوال على مذهب زيد بن ثابت .

                                                                            وأما السدس، ففرض سبعة: فرض الأب إذا كان للميت ولد، وفرض الأم إذا كان للميت ولد أو اثنان من الإخوة، لقوله سبحانه وتعالى: ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ) ، وفرض الجد مع الإخوة في بعض الأحوال على مذهب زيد ، وفرض الجدة، وفرض الواحد من أولاد الأم، ذكرا كان أو أنثى، لقوله سبحانه وتعالى: ( وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ) ، والمراد منه الأخ والأخت للأم، وفرض بنات الابن إذا كان للميت ابنة وحيدة للصلب، فلبنت الصلب النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين، وفرض الأخوات للأب إذا كان للميت أخت واحدة لأب وأم فلها النصف، وللأخوات للأب السدس تكملة الثلثين.

                                                                            وقوله: "فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" ، قال الإمام: هذا يدل على أن بعض الورثة يحجب البعض، والحجب نوعان: حجب نقصان، وحجب حرمان.

                                                                            فحجب النقصان: هو أن الولد وولد الابن يحجب الزوج من النصف [ ص: 330 ] إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس، وكذلك الاثنان من الإخوة فصاعدا يحجبون الأم إلى السدس.

                                                                            وحجب الحرمان: هو أن الأم تسقط الجدة، سواء كانت أم الأم، أو أم الأب، والأب يسقط أم نفسه عند أكثر أهل العلم، وهو قول عثمان ، وعلي ، وزيد بن ثابت ، وروي عن عمر ، وابن مسعود ، وعمران بن حصين : أن الأب لا يسقط أم نفسه، واختلفوا في أن الأب هل يسقط أم الأم؟ فذهب بعضهم إلى أنه يسقطها، كما أن الأم تسقط أم الأب، وذهب الأكثرون إلى أن الأب لا يسقط أم الأم، وكذلك الجدة القربى من جهة الأم تسقط البعدى من جهة الأب، والقربى من جهة الأب لا تسقط البعدى من جهة الأم، وإذا استوتا في الدرجة، اشتركتا في السدس.

                                                                            وأولاد الأم يسقطون بأربعة: بالأب، والجد وإن علا، وبالولد، وولد الابن وإن سفل، وأولاد الأب والأم يسقطون بثلاثة: بالأب، والابن، وابن الابن، ولا يسقطون بالجد على مذهب زيد ، وأولاد الأب يسقطون بأربعة: بهؤلاء الثلاثة، وبالأخ للأب والأم.

                                                                            وأقرب العصبات يسقط الأبعد، فأقربهم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأب، ثم الجد أب الأب وإن علا، فإن كان مع الجد أخ لأب وأم، أو لأب، يشتركان على مذهب زيد في الميراث، فإن لم يكن جد، فالأخ للأب والأم، ثم الأخ للأب، ثم بنو الإخوة يقدم أقربهم سواء كان لأب وأم، أو لأب، فإن استووا في الدرجة فأولاهم الذي هو لأب وأم، ثم العم للأب والأم، ثم العم للأب، ثم بنوهم على ترتيب ميراث [ ص: 331 ] بني الإخوة، ثم عم الأب، ثم عم الجد على هذا الترتيب، فإن لم يكن أحد من عصبات النسب، وعلى الميت ولاء، فالميراث للمعتق، فإن لم يكن حيا، فلعصبات المعتق.

                                                                            روي عن ابن سيرين ، قال: " توفيت فكيهة بنت سمعان ، فتركت ابن أخيها لأبيها، وبني بني أخيها لأبيها وأمها، فورث عمر بني أخيها لأبيها " .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية