الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2233 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب ، أن رجلا من بني مدلج، يقال له قتادة حذف ابنه بسيف، فأصاب ساقه، فنزي في جرحه، فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب ، فذكر له ذلك، فقال عمر بن الخطاب : اعدد لي على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، ثم قال: أين أخو المقتول؟ فقال: هأنذا.

                                                                            فقال: خذها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " ليس للقاتل شيء " . [ ص: 367 ] .

                                                                            قال الإمام: إيجاب مائة وعشرين من قبل أنه قتل محرمه، فقد روي أن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، سئلا: أتغلظ الدية في الشهر الحرام؟ فقالا: لا، ولكن تزاد للحرمة.

                                                                            قال مالك : أراهما أرادا مثل ما صنع عمر بن الخطاب ، في قتل المدلجي حين أصاب ابنه.

                                                                            وروي عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " القاتل لا يرث " ، وإسناده ضعيف.

                                                                            والعمل عليه عند عامة أهل العلم أن من قتل مورثه لا يرث، عمدا كان القتل أو خطأ، من صبي أو مجنون أو بالغ عاقل.

                                                                            وجملته أن كل قتل يوجب قصاصا، أو دية، أو كفارة يمنع الميراث، وقال بعضهم: قتل الخطأ لا يمنع الميراث، وهو قول مالك ، لأنه غير متهم فيه إلا أنه لا يرث من الدية شيئا، وبه قال الحكم ، [ ص: 368 ] وعطاء ، والزهري .

                                                                            وقال قوم: يرث من الدية وغيرها، وقال قوم: قتل الصبي لا يمنع الميراث، وهو قول أبي حنيفة .

                                                                            واختلفوا في قتل المتأول، كالباغي مع العادل إذا قتل أحدهما الآخر في القتال، فقال بعضهم: لا يتوارثان لأنهما قاتلان.

                                                                            وهو ظاهر الحديث، وقال بعضهم: يتوارثان، لأنهما متأولان.

                                                                            وقال بعضهم: إذا قتل العادل أباه يرثه، لأنه محق، وإن قتله الباغي لا يرثه، لأنه غير محق، ولو كان القتل في حد لا يحرم الميراث عند الأكثرين، ولو جرح رجل أباه فمات الجارح قبل موت المجروح يرثه المجروح، لأن حرمان القاتل لجنايته وقصده إلى استعجال الميراث، ولا جناية من المجروح.

                                                                            وأما عمى الموت هو أن المتوارثين إذا عمي موتهما بأن غرقا في ماء، أو انهدم عليهما بناء، أو غابا، فجاء نعيهما، ولم يدر أيهما سبق موته، فلا يورث أحدهما من الآخر، بل ميراث كل واحد منهما لمن كان حياته يقينا بعد موته من ورثته.

                                                                            قال ربيعة عن غير واحد من علمائهم: إنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل، ويوم صفين، ويوم الحرة، إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه.

                                                                            وحكي عن ابن مسعود : أن كل واحد يرث من صاحبه تليد ماله دون ما ورث منه، وكل من لا يرث من هؤلاء لا يحجب الغير عن الميراث عند عامة أهل العلم، وهو قول علي وزيد ، وقال ابن مسعود : يحتجبون ولا يرثون.

                                                                            ولو مات رجل ووارثه حمل في البطن، يوقف له الميراث، فإن خرج حيا كان له، وإن خرج ميتا فلا يورث منه، بل هو لسائر ورثته الأول، وإن خرج حيا ثم مات يورث منه، سواء استهل أو لم يستهل، بعد أن وجد فيه أمارة الحياة من عطاس، أو تنفس، أو حركة دالة على الحياة، سوى اختلاج الخارج عن المضيق، وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه لا يورث منه ما لم [ ص: 369 ] يستهل، وهو قول محمد بن سيرين ، والشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، وبه قال الزهري ، ومالك ، قال الزهري : أرى العطاس استهلالا، واحتجوا بما روي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " إذا استهل المولود ورث " ، والاستهلال: هو رفع الصوت، والمراد منه عند الآخرين وجود أمارة الحياة، وعبر عنها بالاستهلال، لأنه يستهل حالة الانفصال في الأغلب، وبه تعرف حياته، وقال ابن عباس : إذا استهل الصبي ورث وورث، وصلي عليه.

                                                                            والخنثى: من له آلة الرجال وآلة النساء، فسئل علي عنه، فقال: يورث من قبل مباله، معناه: إن كان يبول بآلة الرجال فهو رجل وميراثه ميراث الذكور، وإن كان يبول بآلة النساء فامرأة وميراثها ميراث النساء، وإن كان يبول بهما، فهو مشكل، فاختلفوا في أمره، فذهب جماعة إلى أنه يورث بأضر حاليه، فإن كان يرث في إحدى الحالتين دون الأخرى يوقف، وإن ورث في إحدى الحالتين أقل، دفع إليه الأقل ويوقف الباقي، وهو قول الشافعي ، وعند أبي حنيفة لا يوقف الباقي، بل يدفع إلى الورثة.

                                                                            وقال الشعبي ، وابن أبي ليلى ، والثوري : للخنثى نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى.

                                                                            سئل جابر عن مولود ليس له ما للذكر، ولا له ما للأنثى، يخرج من سرته كهيئة البول الغليظ سئل عن ميراثه، فقال: نصف حظ الذكر والأنثى. [ ص: 370 ] .

                                                                            وإذا اجتمع في واحد سببان للميراث يرث بهما، مثل إن ماتت امرأة عن زوج هو معتقها، فله النصف بالزوجية، والباقي بالولاء.

                                                                            أو عن أم هي معتقها، فلها الثلث بالفرضية والباقي بالولاء.

                                                                            ولو مات عن ابني عم أحدهما أخ لأم، فللذي هو أخ لأم السدس والباقي بينهما نصفان، قضى علي في ابني عم، أحدهما أخ الأم والآخر زوج، أن للزوج النصف، وللأخ من الأم السدس، وما بقي بينهما نصفان، هذا قول أكثر أهل العلم.

                                                                            وقال عبد الله بن مسعود في بني عم أحدهم أخ لأم، قال: المال أجمع لأخيه لأمه أنزله منزلة الأخ من الأب والأم، فأخبر علي بقوله، فقال: يرحمه الله إن كان لفقيها، أما أنا فلم أكن لأزيده على فرض الله، له سهم السدس، ثم يقاسمهم كرجل منهم.

                                                                            فإن اجتمع في شخص قرابتان لا يحل في الإسلام طريق حصولهما، مثل إن نكح مجوسي ابنته، فأتت منه بولد، فالمنكوحة أم الولد وأخته، فاختلف أهل العلم فيه، فذهب جماعة إلى أنه يرث بهما، فإذا مات المولود بعد موت الأب، فللأم الثلث بالأمومة، والنصف بالأخوة، وبه قال علي ، وابن مسعود ، وإليه ذهب الثوري ، وابن أبي ليلى ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وذهب قوم إلى أنه يرث بأقواهما وهو الأمومة، فلها الثلث، ولا شيء لها بالأخوة، فإن لم ترث بالأقوى حينئذ ترث بالآخر، مثل إن نكح ابنته، فأتت ببنت، ثم نكح تلك البنت، فأتت بولد، فالأولى أخت هذا الولد وجدته، والثانية أمه وأخته، فإذا مات المولود، فللأم الثلث، والباقي للأب، ولا شيء للموطوءة الأولى، لأن أخوتها ساقطة بالأب، وجدودتها بالأم، فإن مات بعد موت الأب، فللأم الثلث، وللجدة النصف بالأخوة، لأن جدودتها محجوبة بالأم، فإن مات بعد موت الأم، فللجدة السدس بالجدودة، ولا ترث بالأخوة، هذا قول زيد بن ثابت ، وبه قال الزهري ، ومالك ، والشافعي . [ ص: 371 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية