الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب حسن قضاء الدين.

                                                                            2136 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا، فجاءته إبل من الصدقة، قال أبو رافع : فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطه إياه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجاه من رواية أبي هريرة ، وأخرجه مسلم ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، عن مالك . [ ص: 192 ] .

                                                                            قال الخطابي : البكر في الإبل بمنزل الغلام من الذكور، والقلوص بمنزل الجارية من الإناث، والرباعي: هو الذي أتت عليه ست سنين، ودخل في السنة السابعة، فإذا طلعت رباعيته، قيل للذكر: رباع، وللأنثى رباعية خفيفة الياء، وقوله: "خيار"، يقال: جمل خيار، وناقة خيارة، أي: مختارة.

                                                                            وفيه من الفقه جواز استسلاف الإمام للفقراء إذا رأى بهم خلة وحاجة، ثم يؤديه من مال الصدقة إن كان قد أوصل إلى المساكين، وإن هلك في يد الإمام، فيضمن من خاص ماله، إلا أن يكون الاستقراض بمسألة الفقراء، فيضمن من مالهم، أو من مال الصدقة، وعند أصحاب الرأي يضمن من مال الصدقة، وإن هلك في يد الإمام، كولي اليتيم إذا استقرض له شيئا لحاجته فهلك في يد الولي، يضمنه من مال اليتيم، وفرق الشافعي بأن في المساكين أهل رشد لا يولى عليهم بخلاف اليتيم.

                                                                            وفيه دليل على جواز استقراض الحيوان، وثبوته في الذمة، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، قال الشافعي : لا بأس باستسلاف الحيوان كله إلا الولائد، وهو قول مالك ، وجملته أن ما جاء السلم فيه، جاز استقراضه إلا الجواري عند الشافعي وأصحابه، قالوا: إذا كانت الجارية ممن لا يحل له وطؤها، جاز استقراضها، وفي الحديث دليل على أن من استقرض شيئا يرد مثل ما استقرض، سواء كان ذلك من ذوات القيم أو من ذوات الأمثال، لأن الحيوان من ذوات القيم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد المثل، فأما من أتلف شيئا على غيره أو غصبه فتلف عنده، فعليه في المتقوم القيمة، وفي المثلي المثل، وحد المثلي: كل مكيل أو موزون جاز السلم فيه، وجاز بيع بعضه ببعض، وما لم يجمع هذه الأوصاف، فهو متقوم.

                                                                            وفيه دليل على أن من استقرض شيئا، فرده أحسن أو أكثر من غير شرط، كان محسنا، ويحل ذلك [ ص: 193 ] للمقرض، قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال في قضاء ثمن جمل جابر : "اقضه وزده " واشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراويل، وثم رجل يزن بالأجر، فقال للوزان " زن وأرجح ".

                                                                            فأما إذا شرط في القرض أن يرد أكثر، أو أفضل، أو في بلد آخر، فهو حرام، قال عبد الله بن سلام لأبي بردة : إنك بأرض، الربا بها فاش، فإذا كان لك على رجل حق، فأهدى لك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربا.

                                                                            وسئل عبد الله بن مسعود عن رجل استقرض من رجل دراهم، ثم إن المستقرض أفقر المقرض ظهر دابته، فقال عبد الله : ما أصاب من دابته، فهو ربا، قال أبو عبيد : يذهب إلى أنه قرض جر منفعة.

                                                                            قال الأوزاعي : يأتي على الناس زمان يستحل فيه الربا بالبيع، والخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة.

                                                                            وأراد بالبخس: ما يأخذه الولاة باسم العشر يتأولون فيه الزكاة والصدقات، وقيل: أراد به المكس.

                                                                            أما إذا أقرض شيئا، فأخذ به رهنا أو ضمينا، فجائز، لأنه توثيق للدين، وروي عن الحسن ، قال: من أسلف سلفا، فلا يأخذن رهنا ولا صبيرا، والمراد من الصبير: الكفيل، وكره إبراهيم السفتجة، وفعلها ميمون بن أبي شبيب . [ ص: 194 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية