الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب الرجل يموت ولا وارث له.

                                                                            2230 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الضحاكي ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني ، نا أبو عبد الله محمد بن العباس ، نا أحمد بن محمد القرشي ، نا أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل الحراني ، نا مسكين بن بكير ، نا شعبة ، قال: سمعت عبد الرحمن ابن الأصبهاني ، قال: سمعت مجاهد بن وردان يحدث ، عن عروة ، [ ص: 361 ] عن عائشة ، " أن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، فجاؤوا بميراثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أههنا أحد من أهل قريته؟ قالوا: نعم. قال: أعطوه إياه " .

                                                                            قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.

                                                                            ويروى هذا الحديث عن عائشة ، أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات، ولم يدع وارثا، ولا حميما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته " .

                                                                            وعن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن عندي ميراث رجل من الأزد، ولست أجد أزديا أدفعه إليه؟ قال: اذهب فالتمس أزديا حولا.

                                                                            قال: فأتاه بعد الحول، فقال: لم أجد.

                                                                            قال: فانظر أول خزاعي تلقاه، فادفعه إليه.

                                                                            فلما ولى، قال: علي الرجل.

                                                                            فلما جاء، قال: انظر كبر خزاعة فادفعه إليه "، ويروى أكبر رجل من خزاعة.

                                                                            قال الإمام رضي الله عنه: ليس هذا عند أهل العلم على سبيل توريث أهل القرية والقبيلة، بل مال من لا وارث له، لعامة المسلمين يضعه الإمام [ ص: 362 ] حيث يراه على وجه المصلحة، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم في أهل قبيلته على هذا الوجه، والله أعلم.

                                                                            وروي عن واثلة بن الأسقع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة تحوز ثلاث مواريث، عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت به ، وهذا حديث غير ثابت عند أهل النقل.

                                                                            واتفق أهل العلم على أنها تأخذ ميراث عتيقها.

                                                                            وذهب عامة أهل العلم إلى أن الملتقط لا ولاء له على اللقيط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت الولاء إلا للمعتق، وكان إسحاق بن راهويه يجعل ولاء اللقيط لملتقطه، أما الولد الذي نفاه الرجل باللعان، فلا خلاف أن أحدهما لا يرث الآخر، لأن التوارث بسبب النسب، وقد انتفى النسب باللعان، أما نسبه من جهة الأم، فثابت ويتوارثان.

                                                                            واختلفوا في كيفية توريث الأم منه، فذهب قوم إلى أن جميع ميراث الولد للأم إن كانت حية، وإن لم تكن حية، فلورثتها، وإليه ذهب النخعي ، والشعبي ، ومكحول ، وهو قول سفيان الثوري ، قال سفيان : هي بمنزلة أبيه وأمه.

                                                                            وروي عن ابن مسعود ، وابن عمر ، أن الأم عصبة من لا عصبة له، قال أحمد : ترثه أمه وعصبته أمه ، وقال الحسن : للأم الثلث، والباقي لعصبة الأم، فإن كان له أخ، فله السدس، وهو قول عبد الله بن عباس ، قال: ترثه أمه وأخوه من أمه وعصبة أمه ، فإن قذفه قاذف، جلد قاذفه، وقال مالك ، والشافعي : إن كانت أمه حرة أو عربية، فلها الثلث، والباقي لبيت المال.

                                                                            وهو مذهب زيد بن ثابت ، وبه قال سليمان بن [ ص: 363 ] يسار ، وعروة بن الزبير ، والزهري ، وإن كانت معتقة، فلها الثلث والباقي لموالي الأم.

                                                                            وإن كان له إخوة يرثون منه بأخوة الأم، فإن قيل: كيف صرفتم الباقي إلى عصباتها من جهة الولاء، ولم تصرفوا إلى عصبتها من جهة النسب؟ قلنا: كما لو كان الأب مملوكا، كان الفضل عن فرض الأم لمولاها دون عصبتها من جهة النسب.

                                                                            وقال علي وابن مسعود : عصبته عصبة أمه .

                                                                            وقال أصحاب الرأي: ميراث ابن الملاعنة كميراث غيره ممن يموت، ولا عصبة له، فللأم فرضها، والباقي رد عليها، وإن كان معها صاحب فرض آخر، يرد الفضل عليهم على قدر سهامهم، وهو قول علي ، قال علي ، وابن مسعود ، في ولد ملاعنة ترك جدته وإخوته لأمه، قالا: للجدة الثلث، وللإخوة الثلثان.

                                                                            وعند زيد : للجدة السدس، وللإخوة الثلث، والباقي لبيت المال.

                                                                            وولد الزنا لا يرث من الزاني ولا الزاني منه، وهو مع الأم كولد الملاعنة عند أهل العلم، وروي عن علي ، أنه قال في ولد الزنا لأولياء أمه : "خذوا ابنكم ترثونه وتعقلونه ولا يرثكم" .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية