الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2125 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمر السنة والسنتين، وربما قال: والثلاث، فقال: " من أسلف، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، وإلى أجل معلوم " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد ، عن صدقة بن الفضل ، [ ص: 174 ] وأخرجه مسلم ، عن يحيى بن يحيى .

                                                                            كلاهما عن سفيان بن عيينة .

                                                                            والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أجازوا السلم في الطعام، والثياب، وغيرهما من الأموال مما يمكن ضبطه بالصفة، وإن لم يكن ذلك عند قابل السلم وقت العقد، قال ابن أبي أوفى : كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، في الحنطة، والزبيب، والشعير، والتمر، إلى قوم ما هو عندهم.

                                                                            ويشترط في السلم تسليم رأس المال في مجلس العقد، وأن يكون المسلم فيه موصوفا بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها، فيكون معلوما بالوزن إن كان موزونا، أو بالكيل إن كان مكيلا، أو بالذرعان إن كان ثوبا.

                                                                            ولو أسلم في المكيل بالوزن، أو في الموزون بالكيل، إذا أمكن كيله يجوز، ولو جمع بين الكيل والوزن، فقال في عشرة مكاييل وزنها كذا لا يجوز، لأنه قلما يتفق اجتماعهما على ما يتشارطان.

                                                                            وقوله: " ووزن معلوم " أراد: أو وزن معلوم.

                                                                            وقد روي هكذا [ ص: 175 ] صريحا.

                                                                            ويشترط أن يكون عام الوجود عند المحل المشروط، فإن كان مما يوجد نادرا لا يصلح السلم فيه.

                                                                            واختلف أهل العلم في السلم في الحيوان، فأجازه جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، ولم يجوزه جماعة، منهم عبد الله بن مسعود ، وبه قال إبراهيم النخعي ، وهو قول سفيان الثوري ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وفي الحديث دليل، على أن السلم يجوز فيما يكون منقطعا في الحال، إذا ضرب له أجلا يوجد فيه غالبا، أو يكون موجودا في الحال، وينقطع قبل المحل، ثم يوجد عند المحل، لأن الثمر اسم للرطب واليابس، في قول أكثر أهل العلم، وعند بعض أهل اللغة اسم للرطب لا غير، وعليه يدل الحديث في النهي عن بيع الثمر بالتمر، أراد به بيع الرطب باليابس، ثم أجاز السلم في الثمر السنتين والثلاث، ومعلوم أن الرطب منها ينقطع في أثناء السنة، ولا يوجد إلا في وقت معلوم منها، وهذا قول أكثر أهل العلم.

                                                                            وذهب قوم إلى أنه لا يصح السلم إلا فيما يكون عام الوجود من وقت العقد إلى المحل، وهو قول أصحاب الرأي.

                                                                            وفيه دليل على أنه لو أسلم في شيء مؤجلا يشترط أن يكون الأجل معلوما بالسنين أو بالشهور أو بالأيام، أو يسلم إلى وقت معلوم، مثل مجيء شهر كذا، أو إلى عيد كذا، أو نحوه، فإن ذكر أجلا مجهولا مثل: الحصاد، والعطاء ، وقدوم الحاج، فلا يصح، قال ابن عباس : لا تبيعوا إلى العطاء، ولا إلى الأندر، ولا إلى الدياس. [ ص: 176 ] .

                                                                            واختلف أهل العلم فيما لو أسلم في شيء حالا، فأجازه بعضهم، وهو قول عطاء ، وإليه ذهب الشافعي ، وقال: إذا أجازه النبي صلى الله عليه وسلم مضمونا إلى أجل، كان حالا أجوز، ومن الغرر والخطر أبعد، وذهب جماعة إلى أنه لا يجوز إلا مؤجلا، وهو قول مالك ، وأصحاب الرأي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأجل كما ذكر الكيل والوزن، ثم ذكر الكيل والوزن على وجه الشرط، كذلك ذكر الأجل، وعند الشافعي ليس ذكر الأجل في الحديث على وجه الشرط، بل المراد منه إذا ذكر الأجل يجب أن يكون معلوما، وكذلك ذكر الكيل والوزن ليس على وجه الشرط، فإن السلم جائز فيما ليس بمكيل ولا موزون، مثل: الثياب والخشب ونحوهما، ولو كان على وجه الشرط، لما جاز السلم إلا في المكيل أو الموزون، ومعنى الحديث أنه لو أسلم فيما يكال أو يوزن يجب بيان الكيل أو الوزن وكذا الأجل.

                                                                            قال الإمام: وإذا ذكر الأجل معلوما، يلزم، وكذلك لو باع شيئا بثمن مؤجل، يلزم الأجل حتى لا تجوز المطالبة به قبل المحل.

                                                                            وأما القرض، فاختلفوا في لزوم الأجل فيه، فذهب قوم إلى أنه لا يلزم، وهو قول الشافعي ، وذهب جماعة إلى لزومه، وهو قول عطاء ، وعمرو بن دينار ، وبه قال مالك .

                                                                            وإذا أسلم في شيء لا يجوز الاستبدال عن المسلم فيه قبل القبض، وجوز مالك في غير الطعام الاستبدال إذا قبض قبل أن يتفرقا، فإن تبرع المسلم إليه بأجود مما وصف، أو رضي المسلم بالأردأ والنوع واحد، فجائز بالاتفاق. [ ص: 177 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية