الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2116 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا أبو نعيم ، نا زكريا ، قال: سمعت عامرا ، يقول: حدثني جابر ، " أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فضربه، فدعا له، فسار بسير ليس يسير مثله ، ثم قال: بعنيه بوقية. قلت: لا. ثم قال: بعنيه بوقية.

                                                                            فبعته، فاستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا، أتيته بالجمل، ونقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على أثري، قال: ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك، فهو مالك "
                                                                            . [ ص: 159 ] .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم ، عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن أبيه ، عن زكريا .

                                                                            واختلف أهل العلم فيمن باع دابته، واستثنى لنفسه ظهرها مدة، أو دارا واستثنى لنفسه سكناها مدة، فذهب قوم إلى أن البيع صحيح والشرط لازم، وهو قول الأوزاعي ، وابن شبرمة ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال مالك : إن استثنى مدة قريبة يجوز.

                                                                            واحتجوا بحديث جابر .

                                                                            وذهب جماعة إلى أن البيع فاسد، وهو قول الشافعي ، وأصحاب الرأي ، لما روي عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا.

                                                                            وأما قصة جابر ، وبيعه الجمل، فله تأويلان، أحدهما: أنه لم يكن استثنى ظهره في البيع شرطا، بل أعاره النبي صلى الله عليه وسلم بعد البيع، كما روينا في حديث سالم بن أبي الجعد ، أنه قال: "أخذته منك بوقية، اركبه " وروى شعبة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ، عن جابر ، قال: " بعت النبي صلى الله عليه وسلم جملا، وأفقرني ظهره إلى المدينة " .

                                                                            والإفقار في كلام العرب: إعارة الظهر [ ص: 160 ] للركوب، ومنه اشتق فقار الظهر.

                                                                            وقال عطاء بن أبي رباح ، عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " قد أخذته، ولك ظهره إلى المدينة " ، ويشبه أن يكون إنما رواه من رواه بلفظ الشرط، لأنه إذا وعده الإفقار والإعارة، كان ذلك أمرا لا يشك في الوفاء به، فعبر عنه بالشرط الذي لا خلف فيه.

                                                                            والتأويل الثاني: أنه لم يكن جرى بينهما حقيقة بيع، فإنه لم يوجد هناك تسليم ولا قبض، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفعه بشيء، فاتخذ بيع الجمل ذريعة إلى ذلك، بدليل أنه قال له حين أعطاه الثمن: "ما كنت لآخذ جملك، فخذ جملك فهو مالك " .

                                                                            قال الإمام: ولو أكرى دابة، أو دارا من إنسان، ثم باعها يصح البيع على أصح قولي الشافعي ، ومنفعتها مدة الإجارة للمكتري، لأنها كانت مستحقة له، فلا يتناولها البيع بخلاف ما لو استثناها لنفسه، فهو كما لو باع جارية، واستثنى لنفسه منفعة بضعها لا يصح البيع، ولو باع [ ص: 161 ] جارية قد زوجها من رجل آخر، صح البيع، ومنفعة بضعها للزوج.

                                                                            ويروى في حديث جابر ، أنه قال: لما قدمت المدينة أتيته به، فزادني وقية، ثم وهبه لي.

                                                                            ويحتج بهذا من يجوز هبة المبيع من البائع قبل القبض، وهو قول جماعة من أهل العلم بخلاف البيع لا يجوز قبل القبض.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية