الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب الولاء.

                                                                            2222 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا إسماعيل بن عبد الله ، نا مالك ، عن نافع ، [ ص: 348 ] عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الولاء لمن أعتق " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك .

                                                                            قال الإمام: فيه دليل على أن من أعتق عبدا يثبت له عليه حق الولاء ويرثه، وقد روي عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مولى القوم من أنفسهم " وعليه عامة أهل العلم، فإن لم يكن المعتق حيا، فميراث العتيق لعصبات المعتق، فإن لم يكن له عصبة فلمعتق المعتق، ثم لعصابته، وترتيب عصبات الولاء، كترتيب عصبات النسب، حتى لو كان للمعتق أب وابن، فالولاء لابن المعتق دون أبيه ، وإن كان له أب وأخ، فللأب دون الأخ، غير أن ابن المعتق وأخاه لا يعصب البنت والأخت، وإذا كان للمعتق جد وأخ، ففيه قولان، أحدهما: الأخ أولى، لأنه يدلي بالبنوة، فكان أولى من الجد الذي يدلي بالأبوة، كما أن الابن أولى من الأب، فعلى هذا ابن أخ المعتق وإن سفل أولى من جده ، والثاني: هما سواء، فعلى هذا الجد أولى من ابن الأخ، والأخ أولى من [ ص: 349 ] أب الجد، وابن الأخ مع أب الجد سواء، وكذلك عم المعتق مع أب الجد، فيه قولان: أحدهما: هما سواء، والثاني: العم أولى، وفي النسب الجد وأب الجد، وإن علا أولى من ابن الأخ والعم بالاتفاق.

                                                                            ولا ميراث لمعتق عصبة الرجل إلا لمعتق الأب أو الجد، فإن من أعتق عبدا يثبت له الولاء على أولاده، وأولاد بنيه، ذكورا كانوا أو إناثا، ولا يثبت على أولاد بناته إلا أن يكون أبوهم رقيقا، فيثبت الولاء لموالي الأم، ثم إذا عتق الأب ينجر الولاء إلى موالي الأب، وكذلك من أعتق أمة، فلا ولاء له على أولادها إلا أن يكون أبوهم رقيقا، فيثبت له الولاء على أولادها، فإذا عتق الأب، انجر إلى مواليه، وإنما يثبت الولاء لمعتق الأب إذا لم يكن على الولد لغيره ولاء، فإن كان الأب معتق رجل، والابن معتق غيره، فلا ولاء لمعتق الأب على الابن، والمرأة لا ترث بالولاء إلا من معتقها، أو ممن ينتمي إلى معتقها بولاء أو نسب حتى ترث من معتقها ومعتق معتقها، وأولاد بني معتقها كالرجل.

                                                                            وروي أن ابنة حمزة أعتقت عبدا لها، فمات، وترك ابنته ومولاته بنت حمزة ، " فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه بين ابنتيه ومولاته بنت حمزة نصفين.

                                                                            وسئل إبراهيم عن أختين اشترت إحداهما أباها، فأعتقته، ثم مات، [ ص: 350 ] قال: لهما الثلثان فريضتهما، وما بقي، فللمعتقة دون الأخرى، وهذا قول العلماء، أما إذا كان للمعتق ابن وبنت، أو أخ وأخت، فميراث العتيق لابن المعتق أو للأخ، ولا شيء لبنت المعتق، ولا للأخت، روى الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أنه كان يرث موالي عمر دون بنات عمر .

                                                                            وفي الحديث دليل على أن المولى الأسفل لا يرث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خص المعتق بالولاء.

                                                                            وروي عن عائشة ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الولاء لمن أعطى الورق وولي النعمة " ، وهذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن شريح ، وطاوس ، إثبات الميراث للمولى الأسفل، وفيه دليل أيضا على أن من أسلم على يديه رجل لا يرثه، ولا يثبت الولاء بالحلف والموالاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضاف الولاء إلى المعتق بالألف واللام، فيوجب ذلك قطعه عن غيره، كما يقال: الدار لزيد، فيه إيجاب الملك فيها لزيد وقطعها عن غيره.

                                                                            قال ابن عباس : ( ولكل جعلنا موالي ) ، قال: ورثة ( والذين عقدت أيمانكم ) ، كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، [ ص: 351 ] فلما نزلت ( ولكل جعلنا موالي ) نسخت، ثم قال: ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) من النصر، والرفادة، والنصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصى له.

                                                                            وذهب بعض أهل العلم إلى إثبات الولاء بعقد الموالاة، وهو قول سفيان ، وأصحاب الرأي ، وقال إبراهيم : إذا أسلم على يد رجل، فله ميراثه ويعقل عنه، وهو قول إسحاق ، لما روي عن تميم الداري ، أنه قال: يا رسول الله، ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يد رجل من المسلمين؟ قال: " هو أولى الناس بمحياه ومماته " وهذا الحديث ضعفه أحمد من قبل إسناده على أنه ليس فيه ذكر الميراث، فيحتمل أن يكون ذلك في الميراث، ويحتمل أن يكون في رعي الذمام والإثار بالبر، وما أشبه ذلك من الأمور، فيحمل على هذه المعاني دون الميراث، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الولاء لمن أعتق " .

                                                                            ولو أعتق اليهودي أو النصراني عبدا مسلما، فيثبت له عليه الولاء، وإن كان لا يرثه لاختلاف الدين، كما أن النسب لا يمتنع ثبوته مع اختلاف الدين، وإن كان التوارث ممتنعا حتى لو أسلم المعتق ثم مات العتيق ورثه، وقال مالك : لا ولاء عليه بحال، وميراثه للمسلمين، أما إذا أعتق يهودي يهوديا، ثم أسلم المعتق، قال: لا يبطل ولاؤه حتى لو مات العتيق بعد إسلام المعتق يرثه المعتق، ولو كان للمعتق ولد مسلم يرث المعتق إذا أسلم المعتق قبل إسلام المعتق بالاتفاق، وروي عن عمر بن عبد العزيز ، أنه أعتق عبدا له نصرانيا، فتوفي فأمر عمر بن عبد العزيز أن يجعل ماله في بيت مال المسلمين. [ ص: 352 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية