الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2208 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا قتيبة ، نا إسماعيل بن جعفر ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد ، " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، [ ص: 314 ] ثم استنفق بها، فإن جاء ربها، فأدها إليه .

                                                                            فقال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب.

                                                                            قال: يا رسول الله فضالة الإبل؟ قال: فغضب حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه، ثم قال: ما لك ولها! معها حذاؤها، وسقاؤها، حتى يلقاها ربها "
                                                                            .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم ، عن قتيبة أيضا.

                                                                            وروي عن عبد الله بن يزيد ، عن أبيه يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد الجهني ، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة، فقال: " تعرفها حولا، فإن جاء صاحبها، دفعتها إليه، وإلا عرفت وكاءها وعفاصها، ثم أفضها في مالك ، فإن جاء صاحبها دفعتها إليه" .

                                                                            فقوله: " أفضها" يعني اخلطها بمالك.

                                                                            فتبين بهذا أن معرفة هذه الأشياء لإمكان التمييز بعد الخلط بماله، لا لوجوب الدفع إلى من يدعيها من غير بينة.

                                                                            ومن وجد لقطة، فلا يكره له أخذها عند عامة أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على علي وأبي بن كعب أخذها، وكره أحمد بن حنبل أخذها، وقد قيل: يجب أخذها حتى لا يضيع مال مسلم ، وإذا أخذها يستحب أن يشهد عليها، لما روي عن مطرف بن عبد الله ، عن عياض بن حمار ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من وجد لقطة، فليشهد ذوي [ ص: 315 ] عدل، ولا يكتم، فإن وجد صاحبها، فليردها عليه، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " .

                                                                            وهذا أمر تأديب وإرشاد، وذلك لمعنيين، أحدهما: ما لا يؤمن أن يحمله الشيطان على إمساكها، وترك أداء الأمانة فيها، والثاني: ربما تخترمه المنية، فتحوزها ورثته في جملة التركة، وقد قيل: الإشهاد واجب.

                                                                            وقوله في ضالة الغنم: "هي لك أو لأخيك أو للذئب"، فهذا رخصة في أخذها، معناه: أنها طعمة لكل آخذ، فإن لم تأخذها أنت يأخذها غيرك، أو يأكلها الذئب.

                                                                            وحكم الضالة، أنه إن وجدها في صحراء، وكان مما يمتنع من صغار السباع بقوته، كالإبل، والبقر، والخيل، والبغال، والحمير، أو بعدوه، كالظبي والأرنب، أو بطيرانه، فلا يجوز أخذها إلا للإمام، ولا بأس له أن يأخذها، فيمسكها في موضع الضوال إلى أن يطلبها مالكها، فإن أخذها رجل، كان ضامنا، ولا يخرج عن الضمان بالإرسال، حتى يرد إلى المالك.

                                                                            وإن كان مما لا يمتنع من صغار السباع، كالشاة، والفصيل، والعجل، والبعير الكسير، ونحوها، يجدها في صحراء أو مهلكة، فله أن يأكلها، والقيمة في ذمته لمالكها إلا أن يتبرع بإمساكها، والإنفاق عليها وتعريفها، قال مالك : إذا وجد الشاة في الصحراء، فأكلها، لا غرم عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم : "هي لك"، وعند العامة معنى قوله: "هي لك" في إباحة الأكل لا في سقوط الغرم، وكذلك الأطعمة التي لا تبقى، له أن يأكلها والقيمة في ذمته، ولو لم يأكل أو كان حيوانا لا يحل أكلها، كالجحش، يبيعها ويمسك ثمنها إلى أن تمضي مدة التعريف، ثم يتملك.

                                                                            وإن وجد الضالة في قرية، وبين ظهراني عمارة ، فعليه أن يعرفها سنة، كسائر الأموال، لا فرق [ ص: 316 ] بين ضالة الإبل والغنم، لأن العادة لم تجر بإرسال الإبل في البلد من غير حافظ، والمراد من الحديث في الفرق بين الإبل والغنم في الصحراء، لأن الإبل ترسل في الصحراء بلا حافظ، والشاة جعلها له أو لأخيه أو للذئب، والذئاب يخشى منها في الصحراء على الغنم، لأنها لا تأوي إلى الأمصار والقرى.

                                                                            وذهب بعضهم إلى أنه لا فرق في الإبل، وأمثالها من الحيوانات الكبار بين الصحراء والقرى في أنه لا يجوز أخذها، لظاهر الحديث ولما روي عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: " لا يأوي الضالة إلا ضال " ، وروي أن ثابت بن الضحاك ، وجد بعيرا، فسأل عمر ، فقال: " اذهب إلى الموضع الذي وجدته، فأرسله " .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية