الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 5383 / 1 ] وقال عبد بن حميد : أبنا عبد الرزاق ، أبنا معمر ، عن الزهري ، أن أنس بن مالك أخبره قال: " كنا يوما جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة. فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من ماء وضوئه، قد علق نعليه يده بشماله فسلم، فلما كان من الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل حاله الأولى، فلما أن كان في اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت عليه أني لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤيني إليك حتى تمضي الثلاثة أيام فعلت، فقال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه كان معه ثلاث ليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار - أو قال: انقلب على فراشه - ذكر الله - عز وجل - وكبر حتى يقوم، لصلاة الفجر، قال عبد الله بن عمرو : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث الليالي كدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة. فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر عملك فأقتدي بك، فلم أرك تعمل كبيرة فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي على مسلم غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله - تعالى - إياه، قال عبد الله: قلت: هي التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق ".

                                                                                                                                                                    هذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                    [ 5383 / 2 ] رواه أحمد بن حنبل : ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ... فذكره.

                                                                                                                                                                    والنسائي ، ورواته احتجا بهم أيضا إلا شيخه سويد بن نصر ، وهو ثقة. [ ص: 79 ]

                                                                                                                                                                    [ 5383 / 3 ] ورواه البزار بنحوه: وسمى الرجل المبهم سعدا، وقال في آخره: " فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي، إلا أني لم أبت ضاغنا على مسلم - أو كلمة نحوها. زاد النسائي في رواية له والبيهقي والأصبهاني فقال عبد الله: "هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق ".

                                                                                                                                                                    [ 5383 / 4 ] ورواه البيهقي أيضا: عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال: " كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: ليطلعن عليكم رجل من هذا الباب من أهل الجنة. فجاءه سعد بن مالك فدخل منه " قال البيهقي ... فذكر الحديث قال: "فقال عبد الله بن عمر : ما أنا بالذي أنتهي حتى أبايت هذا الرجل فأنظر عمله " قال: فذكر الحديث في دخوله عليه قال: "فناولني عباءة فاضطجعت عليها قريبا منه، وجعلت أرمقه - يعني ليله - كلما تعار سبح وكبر، وهلل وحمد الله، حتى إذا كان في وجه السحر قام فتوضأ، ثم دخل المسجد، فصلى ثنتي عشرة ركعة باثنتي عشرة سورة من المفصل، ليس من طواله ولا من قصاره، يدعو في كل ركعتين بعد التشهد ثلاث دعوات يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اكفنا ما أهمنا من أمر آخرتنا ودنيانا، اللهم إنا نسألك من الخير كله وأعوذ بك من الشر كله. حتى إذا فرغ قال.. " فذكر الحديث في استقلاله عمله وعوده إليه ثلاثا إلى أن قال: "فقال: آخذ مضجعي، وليس في قلبي غمر على أحد ".

                                                                                                                                                                    الغمر - بكسر الغين المعجمة وسكون الميم - هو الحقد، وقوله: تنطف - أي: تقطر. لاحيت - بالحاء المهملة بعدها ياء مثناة تحت - أي: خاصمت.

                                                                                                                                                                    تعار - بتشديد الراء - أي: استيقظ.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية