الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 6478 ] قال أبو يعلى: وثنا محمد بن يزيد بن رفاعة الرفاعي أبو هشام، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا معاوية بن يحيى الصدفي، عن الزهري، أبنا خارجة بن زيد أن أسامة بن زيد بن حارثة حدثه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حجها، فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة معها صبي لها فسلمت عليه فوقف لها فقالت: يا رسول الله، هذا ابني فلان، والذي بعثك بالحق ما زال في حبق واحد - أو كلمة تشبهها - مذ ولدته إلى الساعة (فاكتنع) إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط يده فجعله بينه وبين الرحل، ثم تفل في فيه، ثم قال: اخرج عدو الله؛ فإني رسول الله، ثم ناولها إياه فقال: خذيه فلن ترين منه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء الله. قال أسامة: فقضينا حجنا ثم انصرفنا، فلما نزلنا بالروحاء، فإذا تلك المرأة أم الصبي فجاءت ومعها شاة مصلية فقالت: يا رسول الله، أنا أم الصبي الذي أتيتك به. قالت: والذي بعثك بالحق ما رأيت منه شيئا يريبني إلى هذه الساعة. قال أسامة: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أسيم - قال الزهري: وهكذا كان يدعو به لخمسة - ناولني ذراعها. فامتلخت الذراع فناولتها إياه فأكلها، ثم قال: يا أسيم، ناولني ذراعها. فامتلخت الذراع فناولتها إياه فأكلها، ثم قال: يا أسيم، ناولني الذراع. فقلت: يا رسول الله، إنك قد قلت: ناولني. فناولتكها فأكلتها ثم قلت: ناولني. فناولتكها فأكلتها، ثم قلت: ناولني الذراع وإنما للشاة ذراعان! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو أهويت إليها ما زلت تجد فيها ذراعا ما قلت لك. ثم قال: يا أسيم، قم فاخرج فانظر هل ترى مكانا يواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت فمشيت حتى حسرت فما قطعت اليأس، وما رأيت شيئا أرى أنه يواري أحدا، وقد ملأ الناس ما بين السدين. قال: فهل رأيت شجرا أو رجما؟ قلت: بلى، قد رأيت نخلات صغارا إلى جانبهن رجم من حجارة. فقال: يا أسيم، اذهب إلى النخلات فقل لهن: يأمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلتحق بعضكن ببعض حتى تكن سترة لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل ذلك للرجم. فأتيت النخلات فقلت لهن الذي [ ص: 109 ] أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلى تفاقرهن بعروقهن وترابهن حتى لصق بعضهن ببعض فكن كأنهن نخلة واحدة، وقلت ذلك للحجارة، فوالذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلى تفاقرهن حجرا حجرا حتى علا بعضهن بعضا فكن كأنهن جدار. فأتيته فأخبرته فقال: خذ الإداوة. فأخذتها، ثم انطلقنا نمشي، فلما دنونا منهن سبقته فوضعت الإداوة، ثم انصرفت إليه فانطلق فقضى حاجته، ثم أقبل وهو يحمل الإداوة فأخذتها منه ثم رجعنا، فلما دخل الخباء قال لي: يا أسيم، انطلق إلى النخلات فقل لهن: يأمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجع كل نخلة منكن إلى مكانها، وقل ذلك للحجارة. فأتيت النخلات فقلت لهن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلى تفاقرهن وترابهن حتى عادت كل نخلة منهن إلى مكانها، وقلت ذلك للحجارة، فوالذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلى تفاقرهن حجرا حجرا، حتى عاد كل حجر إلى مكانه، فأتيته فأخبرته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية