الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 6355 ] قال أبو يعلى الموصلي : وثنا محمد بن إسماعيل بن علي الأنصاري، ثنا ضمرة بن ربيعة، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن أم هانئ - رضي الله عنها - قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس، فجلس وأنا على فراشي، فقال: شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام، فأتاني جبريل - عليه السلام - فذهب بي إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل [ ص: 48 ] مضطرب الأذنين فركبت، فكان يضع حافره مد بصره، إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه، وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه، وجبريل لا يفوتني، حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء - عليهم السلام - توثق بها، فنشر لي رهط الأنبياء منهم: إبراهيم، وموسى، وعيسى - صلوات الله وسلامه عليهم - فصليت بهم وكلمتهم، وأتيت بإناءين أحمر وأبيض، فشربت الأبيض، فقال لي جبريل: شربت اللبن وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتدت أمتك، ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة، فعلقت بردائه: أنشدك الله يا ابن عم أن تحدث بهذا، قريشا فيكذبك من صدقك. فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عكنة فوق إزاره كأنه طي القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصري فخررت ساجدة، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج، فقلت لجاريتي نبعة: ويحك اتبعيه؛ فانظري ماذا يقول وماذا يقال له. فلما رجعت نبعة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم فيهم: المطعم بن عدي بن نوفل، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة. فقال: إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء فيهم: إبراهيم وموسى وعيسى - صلوات الله وسلامه عليهم - فصليت بهم وكلمتهم. فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ: صفهم لي؟ فقال: أما عيسى - عليه السلام - ففوق الربعة ودون الطويل، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد الشعر، يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي، وأما موسى - عليه السلام - فضخم آدم طوال كأنه من رجال شنوءة متراكب الأسنان مقلص الشفة خارج اللثة عابس، وأما إبراهيم - عليه السلام - فوالله لأشبه الناس بي خلقا وخلقا، فضجوا وأعظموا ذلك، قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل: كل أمرك قبل اليوم كان أمما غير قولك اليوم فأنا أشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، نصعد شهرا، وننحدر شهرا تزعم أنك أتيته في ليلة؟ واللات والعزى لا أصدقك، وما كان هذا الذي تقول قط، وكان للمطعم بن عدي حوض على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب، فهدمه، وأقسم باللات والعزى لا يسقي منه قطرة أبدا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا مطعم، بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته أنا أشهد أنه صادق. [ ص: 49 ]

                                                                                                                                                                    قالوا: تعال يا محمد صف لنا بيت المقدس. قال: دخلته ليلا وخرجت منه ليلا. فأتاه جبريل - عليه السلام - فصره في جناحه فجعل يقول: باب منه كذا في موضع كذا، وباب منه كذا في موضع كذا. وأبو بكر يقول: صدقت صدقت. قالت نبعة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ: يا أبا بكر إني قد أسميتك الصديق. قالوا: يا مطعم، دعنا نسأله عما هو أعنى لنا من بيت المقدس، يا محمد، أخبرنا عن عيرنا. فقال: أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه فسألوهم عن ذلك. قالوا: هذا والإله آية. ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر عليه جواليق مخلط ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا، فسألوهم عن ذلك. قالوا: هذه والإله آية. ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق ها هي ذه تطلع عليكم من الثنية. فقال الوليد بن المغيرة: ساحر. فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال، فرموه بالسحر وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال: فأنزل الله - عز وجل - : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) قلت لأم هانئ: ما الشجرة الملعونة في القرآن؟ قالت: الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغيانا وكفرا".


                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية