الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    12 - باب ما جاء في علمه رضي الله عنه

                                                                                                                                                                    [ 6681 / 1 ] عن زاذان قال: "بينا الناس ذات يوم عند علي رضي الله عنه إذ وافقوا منه نفسا طيبة فقالوا: حدثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين. قال: عن أي أصحابي؟ قالوا: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي، فأيهم تريدون؟ [ ص: 208 ] قالوا: النفر الذي رأيناك تلطفهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم. قال: أيهم؟ قالوا: عبد الله بن مسعود. قال: علم السنة، وقرأ القرآن، وكفى به علما، ثم ختم به عنده، فلم يدروا ما يريد بقوله: كفى به علما. كفى بعبد الله أم كفى بالقرآن؟ قالوا: فحذيفة؟ قال: علم - أو علم - أسماء المنافقين، وسأل عن المعضلات حتى عقل عنها، فإن سألتموه عنها تجدوه بها عالما. قالوا: فأبو ذر؟ قال: وعاء ملئ علما، وكان شحيحا حريصا: شحيحا على دينه، حريصا على العلم، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ. قالوا: فسلمان؟ قال: امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم علم العلم الأول، وأدرك العلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف. قالوا: فعمار بن ياسر؟ قال: ذاك امرؤ خلط الله الإيمان بلحمه ودمه وعظمه وشعره وبشره، لا يفارق الحق ساعة، حيث زال زال معه، لا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا. فقالوا: فحدثنا عنك يا أمير المؤمنين. قال: مهلا، نهى الله عن التزكية. قال: فقال قائل: فإن الله عز وجل - يقول: ( وأما بنعمة ربك فحدث ) قال: فإني أحدثكم بنعمة ربي، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، فبين الجوارح مني ملئ علما جما. فقام عبد الله بن الكواء الأعور من بني بكر بن وائل فقال: يا أمير المؤمنين، ما الذاريات ذروا؟ قال: الرياح. قال: فما الحاملات وقرا؟ قال: السحاب. قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن. قال: فما المقسمات أمرا؟ قال: الملائكة، ولا تعد لمثل هذا لا تسألني عن مثل هذا. قال: فما السماء ذات الحبك؟ قال: ذاك الخلق الحسن. قال: فما السواد الذي في جوف القمر؟ قال: أعمى سأل عن عمياء، ما العلم أردت بهذا، ويحك سل تفقها ولا تسأل تعنتا - أو قال تعتها - سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك. قال: فوالله إن هذا ليعنيني. قال: فإن الله - عز وجل - يقول: ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) السواد الذي في جوف القمر. قال: فما المجرة؟ قال: شرج السماء ومنها فتحت أبواب السماء بماء منهمر زمن الغرق على قوم نوح. قال: فما [ ص: 209 ] قوس قزح؟ قال: لا تقل: قوس قزح فإن قزح هو الشيطان، ولكنه القوس وهي أمانة من الغرق. قال: فكم بين السماء إلى الأرض؟ قال: قدر دعوة عبد دعا الله، لا أقول غير ذلك. قال: فكم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، من حدثك غير هذا فقد كذب. قال: فمن الذي قال الله: ( وأحلوا قومهم دار البوار ) ؟ قال: دعهم فقد كفيتهم. قال: فما ذو القرنين؟ قال: رجل بعثه الله إلى قوم عمالا كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم، وابتدعوا في دينهم، وأحدثوا على أنفسهم فهم الذين يجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق، ويجتهدون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى، فضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. قال: رفع صوته وقال: وما أهل النهروان (غدا) منهم ببعيد؟ قال: وقال ابن الكواء: لا أسأل سؤالا ولا أتبع غيرك. قال: إن كان الأمر إليك فافعل".

                                                                                                                                                                    رواه أحمد بن منيع .

                                                                                                                                                                    [ 6681 / 2 ] وإسحاق بن راهويه ولفظه عن خالد بن عرعرة قال: "لما قتل عثمان بن عفان ذعرني ذلك ذعرا شديدا، وكان سل السيف فينا عظيما، فجلست في بيتي، فكانت لي حاجة، فانطلقت إلى السوق، فإذ أنا بنفر في ظل القصر جلوسا نحو أربعين رجلا، وإذا سلسلة قد عرضت على الباب، فقلت: لأدخلن، فذهبت أدخل فمنعني البواب فقال له القوم: دعه ويحك. فدخلت فإذا أشراف الناس، وإذا وسادة فجاء علي رجل جميل في حلة ليس عليه قميص ولا عمامة فسلم ثم جلس، فلم ينكر من القوم غيري فقال: سلوني عما شئتم، ولا تسألوني إلا عما ينفع ولا يضر. فقال له رجل: ما قلت حتى أحببت أن تقول فأسألك. فقال: سلني عما شئت. فقال: ما الذاريات ذروا؟..." فذكره، وتقدم بعضه في سورة والذاريات".

                                                                                                                                                                    [ 6682 / 3 ] وعن زيد بن أسلم - أو محمد بن المنكدر، الشك من حماد - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "يا علي خذ الباب فلا يدخلن علي أحد، فإن عندي زورا من الملائكة استأذنوا ربهم أن يزوروني. فأخذ علي الباب، وجاء عمر فاستأذن فقال: يا علي، استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي: ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن. فرجع عمر وظن أن ذلك من سخطة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصبر عمر أن رجع فقال: استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 210 ] فقال: ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن. فقال: ولم؟ قال: لأن زورا من الملائكة عنده، واستأذنوا ربهم أن يزوروه. قال: وكم هم يا علي؟ قال: ثلاثمائة وستون ملكا. ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا بفتح الباب، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنه أخبرني أن زورا من الملائكة استأذنوا ربهم - تبارك وتعالى - أن يزوروك، وأخبرني يا رسول الله، أن عدتهم ثلاثمائة وستون ملكا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت أخبرته بالزور؟ قال: نعم يا رسول الله. قال: وأخبرته بعدتهم؟ قال: نعم. قال: فكم يا علي؟ قال: ثلاثمائة وستون ملكا. قال: وكيف علمت ذلك؟ قال: سمعت ثلاثمائة وستين نغمة فعلمت أنهم ثلاثمائة وستون ملكا. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره، ثم قال: يا علي زادك الله إيمانا وعلما".

                                                                                                                                                                    رواه الحارث بن أبي أسامة ، عن عبد الرحيم بن واقد، وهو ضعيف.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية