الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            24 - كتاب الحدود.

                                                                            باب حد الزنا.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) .

                                                                            روي عن عبادة بن الصامت ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة، ورميا بالحجارة، والبكر [ ص: 274 ] بالبكر جلد مائة، ونفي سنة " .

                                                                            فهذا الحديث بيان للحكم الموعود في قوله تعالى: ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) ، فإن الله تعالى جعل عقوبة الزانية الحبس إلى أن يجعل الله لها سبيلا، فبينه على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم .

                                                                            2579 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد الجهني ، أنهما أخبراه، أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله.

                                                                            وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي في أن أتكلم.

                                                                            فقال: " تكلم " .

                                                                            قال: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة، وبجارية لي، ثم إني سألت [ ص: 275 ] أهل العلم، فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة، وتغريب سنة، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك، فرد إليك " ، وجلد ابنه مائة، وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت، فرجمها
                                                                            .

                                                                            قال مالك : العسيف: الأجير.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، وأخرجاه من طرق، عن ابن شهاب .

                                                                            قال الإمام: في هذا الحديث أنواع من الفقه، منها: جواز الفتوى [ ص: 276 ] في زمانه صلى الله عليه وسلم ، والرخصة لمن هو من أهل الفتوى أن يفتي، وإن كان ثم من هو أعلم منه، لأنه عليه السلام لم ينكر الرجل قوله: سألت أهل العلم مع كونه عليه السلام مقيما بين ظهرانيهم، وذهب بعضهم إلى أنه لا تجوز الفتوى للتابعي في زمن الصحابة، والأكثرون على جوازه.

                                                                            وفيه أن البكر إذا زنى، عليه جلد مائة، وتغريب عام، والثيب إذا زنى عليه الرجم، ولا يجلد، والمراد من الثيب: المحصن، وهو الذي اجتمع فيه أربع شرائط: العقل، والبلوغ، والحرية، والإصابة بالنكاح الصحيح.

                                                                            واختلف أهل العلم في المحصن هل يجلد مع الرجم أم لا؟ فذهب قوم إلى أنه يجلد مائة ثم يرجم، مستدلين بحديث عبادة : " الثيب بالثيب جلد مائة ورميا بالحجارة " ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وهو قول الحسن البصري ، وإليه ذهب إسحاق ، وداود .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية