الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب نذر اللجاج والغضب.

                                                                            2448 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن أيوب بن موسى ، عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي ، عن أمه، عن عائشة ، أنها قالت: " من قال: مالي في رتاج الكعبة، فإنما كفارته كفارة يمين " . [ ص: 36 ] .

                                                                            أصل الرتاج: الباب، ومن ذكر هذا لا يريد به نفس الباب، إنما يريد به أن يكون ماله هديا إلى الكعبة، فيضعه منها حيث نواه وأراده.

                                                                            قال الإمام: وإنما يلزمه كفارة اليمين إذا التزم ذلك على وجه الغضب، كما روي عن سعيد بن المسيب ، أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدت تسألني القسمة، فكل مالي في رتاج الكعبة، فقال له عمر : إن الكعبة غنية عن مالك ، كفر عن يمينك، وكلم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: " لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرب، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا تملك " .

                                                                            قال رحمه الله: اختلف أهل العلم في النذر إذا خرج مخرج اليمين مثل أن قال: إن كلمت فلانا، فلله علي عتق رقبة، أو إن دخلت الدار، فلله علي أن أصوم أو أصلي، فهذا نذر أخرجه مخرج اليمين، لأنه قصد به منع نفسه عن الفعل، كالحالف يقصد بيمينه منع نفسه عن الفعل، فذهب أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم إلى أنه إذا فعل ذلك الفعل يجب عليه كفارة اليمين كما لو حنث في يمينه، وهو قول عمر ، وعائشة ، وبه قال الحسن ، وطاوس ، وإليه ذهب الشافعي في أصح أقواله، وأحمد ، وإسحاق . [ ص: 37 ] .

                                                                            وذهب قوم إلى أن عليه الوفاء بما سمى، وهو المشهور من قول أصحاب الرأي، وبه قال مالك .

                                                                            ولو حلف الرجل بصدقة ماله، أو قال: مالي في سبيل الله، فاختلف أهل العلم فيه، فذهب قوم إلى أن عليه كفارة اليمين، وقال الشعبي ، والحكم ، وحماد : لا شيء عليه.

                                                                            وقال مالك : يخرج ثلث ماله.

                                                                            وقال أصحاب الرأي: ينصرف ذلك إلى ما تجب الزكاة في عينه من المال دون ما لا زكاة فيه من العقار، والدواب ونحوها.

                                                                            واحتج مالك أن أبا لبابة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأجاورك، وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم .

                                                                            فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجزيك من ذلك الثلث " .

                                                                            قال شعبة : سألت الحكم ، وحمادا عن رجل قال: إن فارقت غريمي، فما لي عليه في المساكين صدقة ؟ قالا: ليس بشيء، وقال الحسن : يكفر عن يمينه. [ ص: 38 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية