الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2570 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا إبراهيم ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس " في قطاع الطريق إذا قتلوا، وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا، ولم يأخذوا المال قتلوا، ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال، ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل، ولم يأخذوا مالا، نفوا من الأرض " وإلى هذا ذهب قتادة ، والنخعي ، وبه قال الأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وإذا فعل ما يستحق الصلب، اختلفوا في كيفيته، فظاهر مذهب الشافعي أنه يقتل، ثم يصلب، وقيل: يصلب حيا، ثم يطعن حتى [ ص: 262 ] يموت مصلوبا، وهو قول الليث بن سعد ، وقيل: يصلب ثلاثة أيام حيا، ثم ينزل، فيقتل.

                                                                            فإن قلنا: يقتل ثم يصلب فيترك ثلاثة أيام، ثم ينزل، فيغسل، ويصلى عليه، إلا أن يخشى فساده قبل الثلاث، ويتأذى به الأحياء، فينزل قبله.

                                                                            وقيل: يترك عليه حتى يتفتت، إن لم يتأذ به الناس، فعلى هذا يغسل ويصلى عليه أولا، ثم يصلب.

                                                                            وذهب قوم إلى أن الإمام بالخيار في أمر المحاربين بين القتل، والصلب، والنفي، روي ذلك عن الحسن ، ومجاهد ، وعطاء ، وإليه ذهب مالك .

                                                                            واختلف أهل التفسير فيمن نزل قوله سبحانه وتعالى: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) ، فذهب قوم إلى أنها نزلت في الكفار، وقال بعضهم: نزلت في الرهط العرنيين، وقال أكثر أهل العلم: إنها نزلت في أهل الإسلام، بدليل قوله عز وجل: ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) والإسلام يحقن الدم، سواء أسلم قبل القدرة عليه أو بعدها.

                                                                            وإذا تاب قاطع الطريق قبل القدرة عليه، فيسقط من العقوبة ما يختص بقطع الطريق، فإذا كان قد قتل، يسقط تحتم القتل، ويبقى عليه القصاص، فالولي فيه بالخيار إن شاء استوفاه، وإن شاء عفا عنه، وإن كان قد أخذ المال، سقط عنه قطع اليد والرجل، وقيل في سقوط [ ص: 263 ] قطع اليد: حكمه حكم السارق في البلد إذا تاب، وإن كان قد قتل وأخذ المال، سقط عنه تحتم القتل والصلب، وإذا تاب بعد القدرة، فلا يسقط عنه شيء من العقوبات على أصح القولين؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) .

                                                                            وقيل: كل عقوبة تجب حقا لله عز وجل مثل عقوبات قاطع الطريق، وقطع السرقة، وحد الزنا، والشرب تسقط بالتوبة لما روي أن " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " .

                                                                            قال الشعبي : ليس على تائب حد.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية