الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2541 - وروي عن حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " في المواضح خمس خمس، وفي الأسنان خمس خمس، وفي الأصابع عشر عشر " .

                                                                            قال الإمام: ثلاثة عشر عضوا في البدن يجب في كل واحد منها كمال دية النفس، أحدها: مارن الأنف: وهو ما لان منها إذا قطع كلها، ففيها كمال بدل النفس، وهو مائة من الإبل، وفي إحداهما نصف الدية، [ ص: 196 ] وفي روثة الأنف بقدرها من الدية، وعن زيد بن ثابت في روثة الأنف ثلث الدية، وهو قول مجاهد ، ومكحول ، وبه قال أحمد ، وإسحاق .

                                                                            وقال بعضهم: في الروثة نصف الدية، وروي عن زيد ، قال: في الوترة ثلث الدية، وهي الحاجز بين المنخرين.

                                                                            الثاني: أجفان العينين: وهي الجلود التي تنطبق على الحدقة يجب فيها كمال الدية، وفي جفني إحدى العينين نصف الدية، وفي واحد منها ربع الدية.

                                                                            الثالث: الأذنان فيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها.

                                                                            الرابع: الشفتان، وهي المتجافي مما يستر اللثة من أعلى وأسفل مستديرا بالفم، ففيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها، يستوي فيه العليا والسفلى، وإن كان الشين في قطع بعضها أكثر، كاليدين، يستويان في الدية مع تفاوتهما في المنفعة، قال سعيد بن المسيب : في الشفة السفلى ثلثا الدية.

                                                                            الخامس: اللسان.

                                                                            والسادس: الأسنان يجب فيها كمال الدية، في كل سن خمس من الإبل.

                                                                            والسابع: اللحيان، وهما العظمان المتقابلان عليهما نبات الأسنان السفلي، وملتقاهما الذقن، ففيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصف الدية، ولو قلعهما وعليهما الأسنان، فعليه ديتهما، ولكل سن خمس من الإبل. [ ص: 197 ] .

                                                                            والثامن: اليدان، يجب فيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها، وفي كل إصبع يقطعها عشر من الإبل، وكذلك أصابع الرجل، وإذا قطع أنملة من أنامله، ففيها ثلث دية أصبع، إلا أنملة الإبهام، ففيها نصف دية إصبع، لأنه ليس لها إلا أنملتان، ولا فرق فيه بين أنامل اليد أو الرجل.

                                                                            والتاسع: الرجلان، فيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها.

                                                                            والعاشر: الأليتان: وهما ما أشرف على الظهر من المأكمتين إلى استواء الفخذين، فإذا قطع ما أشرف منها يجب فيها كمال الدية، وإن لم يصل إلى العظم، وفي إحداهما نصفها.

                                                                            والحادي عشر: الحشفة من الرجل، إذا قطعها يجب فيها كمال الدية، وإذا قطع بعضها، ففيها بقدرها.

                                                                            والثاني عشر: الأنثيان يجب فيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها، سواء قطع اليمنى أو اليسرى، كاليدين والرجلين لا يفضل إحداهما على الأخرى.

                                                                            والثالث عشر: إذا كسر صلبه، بحيث لم يطق المشي، ففيها كمال الدية، ولو ضرب على يده، أو رجله، أو ذكره، أو أذنه، أو أجفانه، أو لسانه، أو شفتيه، فأشلها، فهو كقطعها في وجوب ديتها.

                                                                            ولو ضربه، فأذهب عقله، يجب فيه كمال الدية، وكذلك لو أذهب بصره، أو سمعه، أو شمه، أو ذوقه، أو كلامه بجميع حروفه يجب فيها كمال الدية.

                                                                            وفي بصر إحدى العينين، أو سمع إحدى الأذنين نصف الدية، سواء كانت الأخرى من المجني عليه صحيحة أو عمياء.

                                                                            وقال [ ص: 198 ] مالك : إذا فقئت من الأعور عينه الصحيحة يجب فيها كمال الدية.

                                                                            وهو قول الزهري ، ويروى ذلك عن عمر ، وسليمان بن يسار .

                                                                            وفي شفري المرأة ديتها، وفي إحداهما نصفها، وفي حلمتي ثديها ديتها، وفي إحداهما نصفها، وفي حلمتي ثدي الرجل قولان، أحدهما: يجب كمال ديته كما في حلمتي المرأة.

                                                                            والثاني: لا تجب إلا الحكومة، لأنه لا منفعة فيها من الرجل، وفيها منفعة الرضاعة من المرأة.

                                                                            وكان عمر رضي الله عنه قبل أن يبلغه الحديث يفاوت بين ديات الأصابع لتفاوت منافعها، فيجعل في الإبهام خمسة عشر من الإبل، وفي السبابة والوسطى في كل واحدة عشرا، وفي البنصر تسعا، وفي الخنصر ستا، إلى أن وجد في كتاب عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في كل أصبع عشرا من الإبل " فأخذ به، وكذلك كان يجعل فيما أقبل من الأسنان في كل سن خمسا، وفي الأضراس بعيرا بعيرا.

                                                                            واتفق أهل العلم على التسوية بين الأصابع، والأسنان، وأن في كل أصبع عشرا من الإبل، وفي كل سن خمس من الإبل، كما جعلوا دية الصغير، والكبير، والضعيف والقوي سواء.

                                                                            قال رحمه الله: ويتصور في الرأس والوجه عشر جراحات: الحارصة: وهي التي تحرص الجلد، وتخدشه، يقال: حرص القصار الثوب: إذا شقه. [ ص: 199 ] .

                                                                            والدامية: وهي التي تدمي.

                                                                            والباضعة: وهي التي تبضع الجلد وتقطعه.

                                                                            والمتلاحمة: وهي التي تغور في اللحم.

                                                                            والملطاة: وهي التي تصل إلى جلدة رقيقة بين اللحم والعظم، وتسمى سمحاقا، فيجب في هذه الخمس الحكومة.

                                                                            والموضحة: وهي التي توضح العظم، فيجب فيها خمس من الإبل، سواء كانت الموضحة صغيرة، أو كبيرة، ولو أوضحه مواضح من رأسه أو وجهه في مواضع متفرقة منفصلة بعضها عن بعض، يجب في كل واحدة منها خمس من الإبل، وقال مالك : لا أرى اللحي الأسفل، والأنف من الرأس في جراحهما؛ لأنهما عظمان منفردان.

                                                                            والسابعة: الهاشمة وهي التي تهشم العظم وتكسره، فيجب فيها عشر من الإبل، فإن هشم من غير إيضاح، ففيها خمس من الإبل.

                                                                            والمنقلة: وهي التي تنقل العظم، ففيها خمسة عشر من الإبل.

                                                                            والمأمومة: وهي التي تصل إلى خريطة الدماغ، وتسمى آمة، لأنها بلغت أم الرأس، ففيها ثلث الدية.

                                                                            والعاشرة: الدامغة، وهي التي تخرق الخريطة، فتصل إلى الدماغ، فلا تتصور الحياة بعده، فيجب فيها كمال دية النفس، وتجب في الجائفة ثلث الدية، وهي أن يضرب في ظهره، أو بطنه، أو صدره، فتنفذ إلى جوفه، فإن خرجت من الجانب الآخر، فهي جائفتان، ففيهما ثلثا الدية، فأما الموضحة في غير الوجه والرأس، فتوجب الحكومة، [ ص: 200 ] وكذلك لو كسر عظما من عظامه سوى السن من ضلع أو ترقوة، أو قطع يدا شلاء، أو لسانا أخرس، أو قلع حدقة أعمى، أو قطع أصبعا زائدة ، أو سنا شاغية، يجب فيها الحكومة.

                                                                            وروي عن عمر أنه قضى في الترقوة بجمل، وفي الضلع بجمل، وكان زيد بن ثابت يقول: في العين القائمة مائة دينار، وهذا كله على طريق الحكومة، والحكومة هي أن يقال: لو كان هذا المجروح عبدا كم كان ينتقص بهذه الجراحة من قيمته، فيجب من ديته بذلك القدر.

                                                                            وحكومة كل عضو لا تبلغ بدله المقدر حتى لو جرح رأسه جراحة [ ص: 201 ] دون الموضحة، لا تبلغ حكومتها أرش الموضحة، وإن قبح شينها، وقال سعيد بن المسيب : كل نافذة في عضو من الأعضاء، ففيها ثلث دية ذلك العضو .

                                                                            ولو قطع كفا لا أصبع عليها، ففيها الحكومة، ولو قطع يدا صحيحة من الكوع، فتدخل حكومة الكف في دية الأصابع.

                                                                            وقال أبو عبيد بن حرب من أصحاب الشافعي : لا تجب في اليد نصف الدية ما لم يقطعها من المنكب، وعامة أهل العلم على خلافه، وكذلك لو قطع قدما لا أصابع عليها، ففيها الحكومة، فإن كانت صحيحة، ففيها الدية وحكومة القدم تتبعها، فإن قطع اليد من المرفق، أو الرجل من الركبة، ففيها الدية مع حكومة للساعد والساق.

                                                                            وروي عن عمر أنه قال: في اليد الشلاء ثلث الدية ، وبه قال مجاهد ، وإليه ذهب أحمد ، وإسحاق ، وروي عن عمر أيضا، أنه قال: " في العين القائمة ثلث الدية " ، وبه قال إسحاق .

                                                                            وروي عن عمر أنه " قضى في الترقوة بجمل، وفي الضلع بجمل " .

                                                                            وقد قيل: إن عمر أوجب ذلك على طريق الحكومة، لا أن فيها بدلا مقدرا.

                                                                            ودية أطراف المرأة على النصف من دية أطراف الرجل عند أكثر [ ص: 202 ] أهل العلم، وحكي عن سعيد بن المسيب أنه قال: المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها ، ومثله عن عروة بن الزبير ، وبه قال الزهري ، فإذا بلغت ثلث الدية، كانت المرأة فيها على النصف من الرجل حتى قالوا: في ثلاث أصابع منها ثلاثون من الإبل، وفي أربع أصابع عشرون.

                                                                            ويروى هذا عن عمر ، وعن زيد بن ثابت أنهما سواء في الثلث، فإذا زاد على الثلث، فعلى النصف.

                                                                            وبدل أطراف العبد يعتبر بقيمة نفسه، حتى لو قطع إحدى يديه يجب فيها نصف قيمته، وإن قطع يديه، ففيها كمال قيمته، وهو قول سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وإليه ذهب الشافعي ، وأصحاب الرأي ، وذهب قوم إلى أنه فيها ما انتقص من قيمته كما في البهائم، وقال مالك : في موضحة العبد نصف عشر ثمنه، وفي المنقلة عشر ونصف العشر من ثمنه، وفي المأمومة، والجائفة في كل واحد منهما ثلث ثمنه، وفيما سوى هذه الأربع مما يصاب من العبد قدر ما نقص من ثمنه.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية