الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب من نكح امرأة من محارمه.

                                                                            2592 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن الميربندكشائي ، أنا أبو سهل محمد بن عمر بن طرفة السجزي ، أنا أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي ، نا أحمد بن هشام الخضري ، نا أحمد بن عبد الجبار [ ص: 305 ] العطاردي ، حدثنا حفص بن غياث ، عن أشعب بن سوار ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال: مر بي خالي ومعه لواء، فقلت: أين تذهب؟ قال: " بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه " .

                                                                            هذا حديث حسن غريب، ويروى هذا الحديث عن عدي ، عن يزيد بن البراء ، عن أبيه.

                                                                            وفيه دليل على أن من نكح امرأة من محارمه، فأصابها، لا يسقط عنه الحد، وهو كمن أصابها بغير اسم النكاح.

                                                                            واختلف أهل العلم فيه، فذهب جماعة إلى أن عليه حد الزنا، وهو قول الحسن البصري ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وقال أحمد ، وإسحاق : يقتل، ويؤخذ ماله.

                                                                            وقال سفيان الثوري ، وأبو حنيفة : يعزر، ولا يحد.

                                                                            وهذا لا يصح؛ لأن صورة العقد إذا لم يكن فيها شبهة إباحة لا تدرأ الحد، كمن استأجر امرأة لعمل، فزنى بها، لا يسقط [ ص: 306 ] عنه الحد، وأبو حنيفة ، يقول: إذا استأجر امرأة للزنا، فزنى بها، لا حد عليه.

                                                                            ولو وطئ الرجل جارية امرأته، يجب عليه الرجم إن كان محصنا عند أكثر أهل العلم، روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وهو قول عطاء بن أبي رباح ، وقتادة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            وقال الزهري ، والأوزاعي : يجلد ولا يرجم.

                                                                            وقال أصحاب الرأي: إن قال: " ظننت أنها تحل لي". لم يحده.

                                                                            وعن الثوري ، قال: إن كان يعرف بالجهالة يعزر، ولا يحد.

                                                                            وقد روي عن قتادة ، عن حبيب بن سالم ، قال: رفع إلى النعمان بن بشير رجل وقع على جارية امرأته، فقال: لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت أحلتها له جلدته مائة، وإن لم تكن أحلتها له، رجمته ".

                                                                            ويقال: ذهب أحمد ، وإسحاق إلى هذا الحديث.

                                                                            ولا يصح، ورواه أيضا أبو بشر ، عن حبيب بن سالم .

                                                                            قال محمد بن إسماعيل : لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، إنما رواه عن خالد بن عرفطة ، وأبو بشر أيضا لم يسمعه [ ص: 307 ] من حبيب .

                                                                            قال أبو سليمان الخطابي : هذا الحديث غير متصل، وليس العمل عليه.

                                                                            وقال بعض أهل العلم في تخريج هذا الحديث: إن المرأة إذا أحلتها له، فقد أوقع ذلك شبهة في الوطء، فدرئ عنه الرجم، ووجب عليه التعزير، لما أتاه من المحظور الذي لا يكاد يعذر بجهله أحد نشأ في الإسلام، أو عرف شيئا من أحكام الدين، فزيد في التعزير حتى بلغ به حد زنى البكر ردعا له وتنكيلا، وكان مالك يرى للإمام أن يبلغ بالتعزير مبلغ الحد.

                                                                            قال الإمام: وقد قال الشافعي في المرتهن إذا وطئ الجارية المرهونة: إنه يحد، وولده منها رقيق لا يلحقه، ولا أقبل دعواه الجهالة، إلا أن يكون أسلم حديثا، أو نشأ ببادية نائية، وما أشبهه.

                                                                            ولو كان ربها أذن له في وطئها، وكان يجهل، درئ عنه الحد، ولحق به الولد، وكان حرا، وعليه قيمته يوم سقط.

                                                                            قال الإمام: فقد سمع دعوى الجهالة عند وجود الإذن من جهة المالك، ولم يسمع ممن لم يأذن له المالك إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية نائية لا يعرف أحكام الشرع، فلا يبعد على هذا القياس أن تسمع دعوى الزوج الجهالة إذا كانت المرأة أذنت فيه، فيسقط عنه الحد.

                                                                            ولو زنى رجل بأمة الغير وهي مكرهة، فعليه الحد والمهر، ولا حد عليها، كما لو فعل بحرة.

                                                                            وذهب أصحاب الرأي إلى أنه لا يجب المهر.

                                                                            وإن كانت طائعة، فعليها الحد، ثم إن كانت بكرا عليه ما بين قيمتها مقتضة وبكرا، وإن كانت ثيبا، فلا شيء عليه عند أكثر أهل العلم. [ ص: 308 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية