الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب من شهد قبل السؤال.

                                                                            2513 - أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي .

                                                                            ح، وأخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، [ ص: 138 ] أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن أبي عمرة الأنصاري ، عن زيد بن خالد الجهني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " .

                                                                            هذا حديث اختلف على مالك في روايته، فروى عبد الله بن مسلمة هكذا، وقال: عن أبي عمرة ، ورواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، وقال: عن ابن أبي عمرة الأنصاري .

                                                                            قال أبو عيسى : وهذا أصح، لأنه قد روي من غير حديث مالك ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد الجهني ، وروي عن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد الجهني غير هذا الحديث، وهو صحيح أيضا، وأبو عمرة هو مولى زيد بن خالد .

                                                                            قال الإمام: وقد صح عن عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " .

                                                                            قال عمران : فلا أدري أقال بعد قرنه مرتين أو ثلاثا، " ثم يكون بعدهم قوم يشهدون، ولا يستشهدون، ويحلفون، ولا يستحلفون " . [ ص: 139 ] .

                                                                            قال الإمام: إذا ادعى رجل حقا على آخر، فشهد به رجل قبل أن يستشهده الحاكم بطلب صاحب الحق، فلا حكم بشهادته، ولا يحكم بها الحاكم كما لا تحسب يمينه في قطع الحقوق قبل استحلاف الحاكم .

                                                                            واختلفوا في وجه الجمع بين الحديثين، قيل: أراد "بخير الشهداء" أن يكون عند رجل شهادة لرجل، ولا يعلم بها صاحب الحق، فيخبره بها، ولا يكتمه.

                                                                            وقوله: "يشهدون ولا يستشهدون" أراد به: إذا كان صاحب الحق عالما به، فشهد الشاهد به قبل الاستشهاد، وقيل: الأول في الأمانة تكون لليتيم لا يعلم بمكانها غيره، فيخبره بما يعلم من ذلك، وقيل: أراد بالأول سرعة إجابة الشاهد إذا استشهد لا يمنعها ولا يؤخرها، قال الله سبحانه وتعالى: ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) ، قال سعيد بن جبير : هو الذي عنده الشهادة، فكل من تحمل شهادة، فدعي لأدائها ولا عذر له في التخلف، يجب عليه أن يجيب إليه، قال الله سبحانه وتعالى: ( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) [ ص: 140 ] وقيل في قوله عز وجل: و ( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ) أي: لا تتبعوا الهوى فرارا من إقامة الشهادة، وقيل: معناه: لا تتبعوا الهوى لتعدلوا، كما يقال: لا تتبعن الهوى لترضي ربك، أي: أنهاك عنه لترضي ربك.

                                                                            فأما إذا دعي للتحمل، وثم من يتحملها، فيستحب أن يجيب إليه إن كان من أهله ولا يجب، فإن لم يكن ثم من يتحملها، فعليه الإجابة إليه، وهو من باب فروض الكفايات كرد السلام، والصلاة على الجنائز، والجهاد.

                                                                            وقيل في قوله: "يشهدون ولا يستشهدون" أراد به شهادة الزور، وكذلك قوله: " يحلفون ولا يستحلفون" أراد أن يحلف على شيء هو فيه آثم بدليل أنه قد روي في بعض الروايات: "ثم يفشوا الكذب" وقيل: أراد به الشهادات التي يقطع بها على المغيب، فيقال: فلان في الجنة، وفلان في النار، وفيه معنى التألي على الله، وقد زجر عنه.

                                                                            قال الإمام: يحتمل أن يكون الأول فيما يقبل فيه شهادة الحسبة، من الزكوات والكفارات، ورؤية هلال رمضان، والحقوق الواجبة لله سبحانه وتعالى، والطلاق، والعتاق، ونحوها.

                                                                            وقوله: "يشهدون ولا يستشهدون" في حقوق العباد من البيوع، والأقارير، والقصاص، وحد القذف، ونحوها، فلا تصح شهادة الشاهد فيه إلا بعد تقدم الدعوى، ومسألة الحاكم شهادته بعد طلب المدعي.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية