الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب الدية.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) .

                                                                            2536 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا أبو العباس الأصم .

                                                                            ح، وأنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، نا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن القاسم بن ربيعة ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " ألا إن في قتيل العمد الخطإ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " [ ص: 187 ] قال الإمام: اتفق أهل العلم على أن دية الحر المسلم مائة من الإبل ثم هي في العمد المحض مغلظة في مال القاتل حالة، وفي شبه العمد مغلظة على العاقلة مؤجلة، وفي الخطإ مخففة على العاقلة مؤجلة، والتغليظ والتخفيف يكون في أسنان الإبل، فالدية المغلظة أثلاث، منها ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها، روي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، وأبي موسى ، وهو قول عطاء ، وإليه ذهب الشافعي ، وقال ابن مسعود : الدية المغلظة أرباع: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وهو قول سليمان بن يسار ، والزهري ، وربيعة ، وإليه ذهب مالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

                                                                            أما دية الخطإ، فأخماس عند أكثر أهل العلم، غير أنهم اختلفوا في تقسيمها، فذهب قوم إلى أنها عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.

                                                                            حكي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، وربيعة ، وبه قال الليث بن سعد ، ومالك ، والشافعي ، وأبدل قوم بني اللبون ببني المخاض، وروي ذلك عن ابن مسعود ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، واحتجوا بما روي عن خشف بن مالك ، عن ابن مسعود ، قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطإ عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض ذكور، وعشرين بنت لبون، وعشرين [ ص: 188 ] جذعة، وعشرين حقة " .

                                                                            وعدل الشافعي عن هذا؛ لأن خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.

                                                                            وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم " ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة " .

                                                                            وليس في أسنان إبل الصدقة ابن مخاض، إنما فيها ابن لبون، عند عدم بنت المخاض في خمس وعشرين من الإبل.

                                                                            وذهب جماعة إلى أن دية الخطإ أرباع: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، روي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وبه قال الشعبي ، والنخعي ، والحسن البصري .

                                                                            وروي عن علي في شبه العمد أثلاثا: ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.

                                                                            قال الإمام: والحديث يدل على إثبات العمد والخطإ في القتل، وزعم بعض أهل العلم أن القتل لا يكون إلا عمدا محضا، أو خطأ محضا، فأما شبه العمد، فلا يعرف، وهو قول مالك ، ويستدل أبو حنيفة بحديث عبد الله بن عمر على أن القتل بالمثقل شبه عمد، لا يوجب [ ص: 189 ] القصاص، ولا حجة له فيه؛ لأن الحديث في السوط والعصا الخفيف الذي لا يقصد به القتل، وذلك الغالب من أمر السياط والعصي أنها تكون خفيفة، والقتل الحاصل به يكون قتلا بطريق شبه العمد، فأما المثقل الكبير، فملحق بالمحدد الذي هو معد للقتل.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية