الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب المولى يقيم الحد على مملوكه.

                                                                            2588 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني الليث ، عن سعيد ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت، فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة، فتبين زناها، فليبعها ولو بحبل من شعر " .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مسلم ، عن عيسى بن حماد [ ص: 298 ] المصري ، عن الليث ، ورواه ابن عيينة ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                            والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة، فمن بعدهم، قالوا: يجوز للسيد إقامة الحد على مملوكه دون السلطان، روي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وروي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدت جارية لها زنت، وهو قول الحسن البصري ، والزهري ، وإليه ذهب سفيان الثوري ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                            قال ابن أبي ليلى : لقد أدركت بقايا الأنصار يضربون ولائدهم إذا زنين.

                                                                            قال إبراهيم : وكان علقمة ، والأسود يضربان ولائدهما إذا زنين.

                                                                            وقال قوم: يرفعه إلى السلطان، ولا يقيمه المولى بنفسه.

                                                                            وهو قول أصحاب الرأي، وقال أبو ثور : في الحديث إيجاب الحد، وإيجاب البيع، لا يجوز أن يمسكها إذا زنت أربعا.

                                                                            وقوله: "ولا يثرب" ، يعني: لا يعير، والتثريب: التعيير، قال الله سبحانه وتعالى: ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ) ، معناه: أنه لا يقتصر على تعييرها وتبكيتها، ويعطل الحد الواجب عليها، وقيل: لا يثربها بعد الضرب.

                                                                            وفي قوله: "فليبعها ولو بحبل من شعر" ، دليل على أن الزنا عيب في الرقيق يرد به البيع، ولذلك حط من قيمته.

                                                                            وفيه أن بيع غير المحجور بما لا يتغابن به الناس جائز. [ ص: 299 ] .

                                                                            وفي الحديث بيان أن حد المماليك الجلد، ولا رجم عليهم، وحدودهم بالجلد على نصف حد الأحرار، قال الله سبحانه وتعالى: ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) ، فحد المملوك في الزنا خمسون جلدة، وفي القذف أربعون، وفي الشرب عشرون.

                                                                            روي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ، قال: أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية من قريش، فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا.

                                                                            وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال: أدركت عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، والخلفاء هلم جرا، ما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين.

                                                                            وسئل ابن شهاب عن حد العبد في الخمر، فقال: بلغنا أن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن عمر جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر.

                                                                            واختلفوا في تغريب المملوك إذا زنى، فظاهر الحديث يدل على أنه لا يغرب، وهو أحد قولي الشافعي .

                                                                            والثاني: أنه يغرب نصف سنة، واختاره المزني ، وقيل: سنة كالحر، كما أن مدة العنة يستوي فيها الحر والعبد.

                                                                            وروي عن صفية بنت أبي عبيد ، أن عبدا من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس، فاستكرهها [ ص: 300 ] حتى اقتضها، فجلده عمر الحد، ونفاه، ولم يجلد الوليدة، من أجل أنه استكرهها.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية