الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب المتداعيين إذا أقام كل واحد بينة.

                                                                            2504 - أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، نا أبو العباس الأصم .

                                                                            ح، وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، ومحمد بن أحمد العارف ، قالا: أنا أبو بكر الحيري ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا ابن أبي يحيى ، عن إسحاق بن أبي فروة ، عن عمر بن الحكم ، عن جابر بن عبد الله ، أن " رجلين تداعيا دابة، وأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي في يديه " .

                                                                            إسحاق بن أبي فروة : هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، كنيته أبو سليمان ، واسم أبي فروة كيسان، مولى عثمان بن عفان ، مدني ضعيف [ ص: 107 ] والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا تداعى رجلان دابة أو شيئا وهو في يد أحدهما، فهو لصاحب اليد، ويحلف عليه إلا أن يقيم الآخر بينة، فيحكم له به، فلو أقام كل واحد منهما بينة، ترجح بينة ذي اليد، وذهب أصحاب الرأي إلى أن بينة ذي اليد غير مسموعة، وهو للخارجي، إلا في دعوى النتاج إذا ادعى كل واحد أن هذه الدابة ملكه نتجها، وأقام بينة على دعواه يقضى بها لصاحب اليد، وكذلك قالوا في ثوب لا ينسج إلا مرة واحدة: إذا أقام كل واحد بينة أنه ملكي، أنا نسجته، يقضى لصاحب اليد، وإن كان الشيء في أيديهما فتداعيا، حلفا وكان بينهما بحكم اليد، وكذلك لو أقام كل واحد بينة.

                                                                            روى ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه، عن جده أبي موسى الأشعري ، " أن رجلين ادعيا بعيرا أو دابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ليست لواحد منهما بينة، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما " .

                                                                            وروى همام ، عن قتادة بهذا الإسناد، أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث كل واحد منهما شاهدين " فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين" .

                                                                            فهذا يحتمل أن تكون القصة واحدة، والشيء في أيديهما إلا أن [ ص: 108 ] الشهادات لما تعارضت تهاترت، فصار كمن لا بينة له، فحكم لهما بالشيء نصفين بحكم اليد، ويحتمل أن تكون القصة مختلفة، وكان البعير في يدي غير المتداعيين في إقامة البينتين، فلما أقام كل واحد منهما شاهدين على دعواه، نزع الشيء من يدي صاحب اليد، وجعل بين المدعيين.

                                                                            واختلف أهل العلم في حكم هذه الحادثة إذا ادعى رجلان دارا، أو شيئا في يد ثالث، وأقام كل واحد بينة على دعواه، فذهب قوم إلى أنهما تسقطان لتناقضهما، ويترك الشيء في يدي صاحبه، وهو أظهر أقوال الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه يجعل بين المدعيين نصفين، وهو قول الثوري ، وأصحاب الرأي ، وأحد أقوال الشافعي ، وذهب جماعة إلى أنه يقرع بين المدعيين، فمن خرجت له القرعة، قضى له به، وهو قول أحمد ، وإسحاق ، وقاله الشافعي في القديم، وله قول، " أن من خرجت قرعته، يحلف مع القرعة: لقد شهد شهوده بحق، ثم يقضى له.

                                                                            ولا فرق عند أكثرهم بين أن تكون البينتان سواء في العدالة، وبين أن تكون بينة أحدهما أشهر بالصلاح والعدالة بعد أن يكونا عدلين، ولا بين أن يقيم أحدهما شاهدين، والآخر ثلاثا أو أكثر.

                                                                            وحكي عن مالك أنه قال: هو لأعدلهما شهودا، وأشهرهما بالصلاح.

                                                                            وقال الأوزاعي : يقضى بأكثر البينتين عددا، وحكي عن الشعبي أنه قال: هو بينهما على حصص الشهود.

                                                                            وروي عن علي فيما إذا ادعى رجلان شيئا في يد ثالث، ولا بينة لواحد منهما أن يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة يحلف ويأخذ، ويروى فيه عن أبي رافع ، عن أبي هريرة " أن رجلين اختصما في دابة، وليس لهما بينة، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين " .

                                                                            والمراد من الاستهام: الاقتراع. [ ص: 109 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية