الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب تغليظ اليمين.

                                                                            2516 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا عبد الله بن محمد ، نا سفيان ، عن عمرو ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ليقتطع بها مال رجل مسلم ، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك " .

                                                                            هذا حديث صحيح [ ص: 143 ] قيل: إنما خص بعد العصر بالذكر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد عظم شأن هذا الوقت، فقال: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ، فروي عن جماعة من الصحابة أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ويجتمع فيها ملائكة الليل والنهار، وترفع فيها الأعمال التي اكتسبها العبد من أول النهار.

                                                                            ومما يؤكد تعظيم حرمة هذا الوقت قول الله سبحانه وتعالى: ( تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ) قيل: أراد به صلاة العصر.

                                                                            قال الخطابي : ويحتمل أن يقال: إن الغالب من حال التاجر أنه إنما ينفق من ربح ربحه، أو فضل استفضله في بياض نهاره، وقد يتفق أن لا يربح ربحا وبعد العصر وقت منصرفه، فإذا اتفقت له صفقة بعد العصر، حرص على إمضائها باليمين الكاذبة، لينفق من الربح، ولا ينصرف من غير زيادة.

                                                                            قال الإمام: إذا توجه اليمين على رجل في أمر عظيم خطره من قصاص، أو عقوبة، أو نكاح، أو طلاق، أو عتاق، أو مال بلغ نصابا، فتغلظ تلك اليمين بالمكان والزمان، فالمكان أن يحلف بين الركن والمقام إن كان بمكة ، وإن كان بغيرها، فتحت المنبر في الجامع، وفي الزمان أن يحلف بعد العصر، ويخوف بالله، ويقرأ عليه قوله عز وجل: ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) ليرتدع إن كان فيها مبطلا.

                                                                            قال المفسرون في قوله: ( تحبسونهما من بعد الصلاة ) ، أي: صلاة العصر على تأكيد اليمين على الحالف.

                                                                            قال الشافعي : وهذا قول الحكام المكيين ومفتيهم، ومن حجتهم فيه أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين المقام، والبيت، فقال: أعلى دم؟ قالوا: لا، قال: أفعلى عظيم من [ ص: 144 ] الأمر؟ قالوا: لا، قال: لقد خشيت أن يبهأ الناس بهذا المقام.

                                                                            قال ابن أبي مليكة : كتبت إلى ابن عباس في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى، فكتب: أن احبسهما بعد العصر، ثم اقرأ عليهما: ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) ففعلت، فاعترفت.

                                                                            وكتاب أبي بكر الصديق : يحلف عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر، فاتقاها، وقال: أخاف أن يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه. [ ص: 145 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية