الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب قتل الجماعة بالواحد.

                                                                            2535 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب قتل نفرا [ ص: 183 ] خمسة أو سبعة برجل واحد، قتلوه قتل غيلة، وقال عمر بن الخطاب : " لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا " .

                                                                            ورواه محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن بشار ، عن يحيى ، عن عبيد الله، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر .

                                                                            وقال مغيرة بن حكيم ، عن أبيه: إن أربعة قتلوا صبيا، فقال عمر مثله.

                                                                            قوله: "قتلوه غيلة" أي: حيلة، يقال: اغتالني فلان، إذا [ ص: 184 ] احتال بحيلة يتلف بها ماله، ويقال: الغيلة هي أن يخدعه حتى يخرج إلى موضع يختفي فيه، ثم يقتله، يقال: لا تنفع حيلة من غيلة، والفتك: هو أن يأتي الرجل وهو غافل، فيشد عليه، فيقتله، وقوله: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء" أي: تعاونوا واجتمعوا، والملأ: الجماعة من أشراف القوم كلمتهم واحدة، قال علي رضي الله عنه: " والله ما قتلت عثمان ، ولا مالأت على قتله " ، أي: ما ساعدت، ولا عاونت.

                                                                            والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا: إذا اجتمع جماعة على قتل واحد، يقتلون به قصاصا، وهو قول عمر ، وعلي ، وعبد الله بن عباس ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، وإليه ذهب مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وقال ربيعة : لا قصاص أصلا.

                                                                            وذهب قوم إلى أن للولي أن يختار واحدا منهم، فيقتله، ويأخذ من الباقين حصتهم من الدية، يروى ذلك عن معاذ ، وابن الزبير ، وبه قال الزهري ، وابن سيرين .

                                                                            ولو قطع جماعة يد واحد، أو طرفا من أطرافه، فاختلف أهل العلم فيه، فذهب قوم أنهم يقطعون به كما يقتل الجماعة بالواحد، قال مطرف ، عن الشعبي في رجلين شهدا على رجل أنه سرق: فقطعه علي ، ثم قالا: أخطأنا، فأبطل شهادتهما، وأخذ بدية الأول، وقال: " لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما " ، وإليه [ ص: 185 ] ذهب الشافعي ، وقال: إنما تقطع الأيدي بيد واحدة، إذا وجد فعل الكل في قطع جميع اليد، بأن وضعوا السكين عليها، وتحاملوا عليه حتى أبانوا اليد، فأما إذا قطع واحد من جانب، والآخر من جانب حتى التقى السكينان، فلا تقطع أيديهما به.

                                                                            وذهب قوم إلى أن الأطراف لا تقطع بطرف واحد، وإليه ذهب أصحاب الرأي.

                                                                            ولو قتل واحد جماعة، فعند الشافعي ، يقتل القاتل بواحد منهم، ويؤخذ من تركته دية الباقين، وكذلك لو قطع واحد أيدي جماعة، تقطع يده بواحدة منهم، وعليه دية الباقين، وعند أصحاب الرأي يقتل الواحد بالجماعة، ولا يجب شيء من الدية، كما يقتل الجماعة بالواحد.

                                                                            ولو قطع أيدي جماعة، تقطع يده بهم جميعا، ويكمل حقوقهم بالدية، وإذا اشترك رجلان في قتل رجل واحد، وأحدهما مخطئ، فلا قصاص على العامد في النفس بالاتفاق.

                                                                            ولو شارك الأب أجنبيا في قتل الولد، فلا قصاص على الأب، ويقتل به الأجنبي عند الشافعي ، وعند أبي حنيفة لا قصاص على شريك الأب، كما لا يجب على شريك الخاطئ، وفرق الشافعي بأن شبهة الأبوة في ذات الأب، وذاته متميزة عن ذات شريكه، فلم تصر شبهة في حق الشريك، وشبهة نفس الخطإ في الفعل بدليل أنه يوصف الفعل بالخطأ ، وفعل الخاطئ والعامد مجتمعان في محل القتل، فانتصب شبهة في منع القود في النفس.

                                                                            ولو أمسك رجلا حتى قتله الآخر، فلا قود على الممسك، كما أنه لو أمسك امرأة حتى زنى بها آخر، لا حد على الممسك، وقال مالك : [ ص: 186 ] إذا أمسكه، وهو يرى أنه يريد قتله، قتلا جميعا، وإن أمسكه، وهو يرى أنه يريد الضرب، فإنه يقتل الضارب، ويعاقب الممسك أشد العقوبة، ويسجن سنة.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية