الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2582 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، نا محمد بن إسماعيل ، نا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، قال: قال عمر رضي الله عنه: إن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا بعده، وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ، فيما نقرأ، من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم " .

                                                                            هذا الحديث صحيح [ ص: 281 ] قال الإمام: وفي الحديث دليل على أن أحد الزانيين إذا كان محصنا دون الآخر أنه يرجم المحصن، ويجلد غير المحصن، وكذلك إذا كان أحدهما حرا، والآخر عبدا، فيحد الحر حد الأحرار، ويحد الرقيق حد العبيد، وعلى هذا القياس لو زنى عاقل بمجنونة، أو بالغ بمراهقة، يجب الحد على العاقل البالغ، وإن لم يجب على المجنونة والمراهقة بالاتفاق، وكذلك لو مكنت عاقلة من مجنون، أو بالغة من مراهق، يجب الحد عليها، وإن لم يجب عليه عند الشافعي ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنه لا حد على العاقلة البالغة إذا مكنت من مجنون، أو مراهق.

                                                                            وفيه دليل على أن للحاكم أن يبدأ باستماع كلام أي الخصمين شاء.

                                                                            وفيه دليل على جواز الإجارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر قوله: إن ابني كان عسيفا على هذا، وقد أبطلها قوم، والأكثرون على جوازها.

                                                                            وفي قوله: "أما غنمك وجاريتك فرد إليك" دليل على أن المأخوذ بحكم البيع الفاسد، والصلح الفاسد مستحق الرد غير مملوك للآخر.

                                                                            وفي قوله: "فإن اعترفت فارجمها" دليل على أن من أقر بالزنا على نفسه مرة واحدة يقام الحد عليه، ولا يشترط فيه التكرار، كما لو أقر بالسرقة مرة واحدة يقطع، ولو أقر بالقتل مرة واحدة يقتص منه، وهو قول الحسن ، وحماد بن أبي سليمان ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وذهب قوم إلى أنه لا يحد ما لم يقر أربع مرات، وإليه ذهب الحكم بن عتيبة ، وابن أبي ليلى ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، غير أن أصحاب الرأي قالوا: ينبغي أن يقر أربع مرات في أربع مجالس، فإذا أقر أربع مرات في مجلس واحد، فهو كإقرار واحد. [ ص: 282 ] .

                                                                            وأوجب ابن أبي ليلى ، وأحمد به الحد، واحتج من شرط التكرار في الإقرار بالزنا بقصة ماعز بن مالك ، وإقراره بالزنا، وسنذكره من بعد إن شاء الله عز وجل.

                                                                            وفيه دليل على أن المحصن إذا زنى، لا يجمع عليه بين الجلد والرجم.

                                                                            قال الإمام: وفي قوله: "فإن اعترفت فارجمها" بيان أنها لو لم تعترف لا حد عليها، وإن وجب على المقر، وقد روي عن ابن المسيب ، عن ابن عباس ، " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات، فجلده مائة ، وكان بكرا، ثم سأله البينة على المرأة، فقالت: كذب والله يا رسول الله، فجلده حد الفرية ثمانين " .

                                                                            قال الإمام: وفي الحديث دليل على أن حضور الإمام ليس بشرط لإقامة الرجم، وذهب قوم إلى أن حضور الإمام شرط، وإن ثبت بالبينة، كحضور الشهود، وهو قول أصحاب الرأي، يروى ذلك عن علي ، قال: الرجم رجمان: فإن كان بالحبل والاعتراف، يبدأ الإمام ثم الناس، وإن ثبت بالشهود، فيبدأ بالشهود، فيبدأ بالشهود ثم الإمام ثم الناس.

                                                                            وفيه دليل على جواز الوكالة في إقامة الحدود. [ ص: 283 ] .

                                                                            قال الإمام: وفي الحديث دليل على أن من قذف رجلا بين يدي الحاكم ، فللحاكم أن يبعث إلى المقذوف، فيخبره به، لا لطلب إقرار المقذوف بالزنا، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ( ولا تجسسوا ) ، ولأن الأولى بمن تناول شيئا مما يوجب حد الله سبحانه وتعالى أن يستر على نفسه، ولكن ليطلعه على أن فلانا قد قذفه، ووجب له عليه حد القذف، فإن لم يكن معترفا بالزنا، طلب حقه من الحد، وعلى هذا تأول الشافعي رحمه الله، بعث النبي صلى الله عليه وسلم أنيسا إلى امرأة الرجل، حتى لو لم يكن القاذف معينا، مثل أن يقول رجل بين يدي الحاكم : إن الناس يقولون: إن فلانا زنى، فلا يبعث الإمام إليه، ولا يبحث عن حاله اختيارا للستر، واحترازا عن تتبع العورات، وفي حفظ الستر على من لزمه حد من حدود الله عز وجل، روي عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لرجل من أسلم، يقال له هزال : " يا هزال ، لو سترته بردائك لكان خيرا لك " .

                                                                            قال الإمام: وفي الحديث دليل على أن من قذف ولده لا حد عليه، كما لو قتله لا قصاص عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحده بقوله: إن ابني زنى بامرأته. [ ص: 284 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية