الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            2587 - أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا الحسين بن شجاع بن الحسين بن موسى الصوفي المعروف بابن الموصلي ، أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن الهثيم الأنباري ، نا جعفر بن محمد الصائغ ، نا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي ، نا أبي ، عن غيلان بن جامع ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه، قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، طهرني. قال: " ويحك، ارجع، واستغفر الله، وتب إليه " .

                                                                            قال: فرجع غير بعيد، ثم [ ص: 294 ] جاء، فقال: يا رسول الله، طهرني.

                                                                            فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "ويحك، ارجع، واستغفر الله، وتب إليه" .

                                                                            قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء، فقال: يا رسول الله، طهرني.

                                                                            فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى كانت الرابعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مم أطهرك؟" قال: من الزنا.

                                                                            قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أبه جنون؟ " فأخبر أنه ليس به جنون، فقال: "أشرب خمرا؟ " فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أثيب أنت؟" قال: نعم.

                                                                            فأمر به، فرجم، فكان الناس فيه فريقين، تقول فيه فرقة: لقد هلك ماعز على أسوأ عمله، لقد أحاطت به خطيئته.

                                                                            وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده في يده، فقال: اقتلني بالحجارة.

                                                                            قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم جلوس، فسلم، ثم جلس، ثم قال: "استغفروا لماعز بن مالك " . قال: فقالوا: يغفر الله لماعز بن مالك .

                                                                            قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتها " .

                                                                            قال: ثم جاءته امرأة [ ص: 295 ] من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله، طهرني.

                                                                            فقال: " ويحك، ارجعي فاستغفري الله، وتوبي إليه" .

                                                                            فقالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك . قال: "وما ذاك؟" قالت: إنها حبلى من الزنا. قال: " أثيب أنت؟ " قالت: نعم. قال: " إذن لا نرجمك حتى تضعي ما في بطنك " .

                                                                            قال: وكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: قد وضعت الغامدية؟ قال: " إذا لم نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه " . فقام رجل من الأنصار، فقال: إني أرضعه يا نبي الله! فرجمها
                                                                            .

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم ، عن محمد بن العلاء ، عن يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي ، عن غيلان بن جامع المحاربي ، ولم يقل: حدثنا أبي ، عن غيلان ، ورواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد [ ص: 296 ] بن عبد الله بن نمير ، عن عبد الله بن نمير ، عن بشير بن المهاجر ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه، وقال في رجم ماعز: " حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم ".

                                                                            وقال في الغامدية: قال: " فاذهبي حتى تلدي" .

                                                                            فلما ولدت، أتته بالصبي في خرقة، قال: اذهبي، فأرضعيه حتى تفطميه ".

                                                                            فلما فطمته، أتته بالصبي في يده كسرة خبز، هذا يا نبي الله قد فطمته، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس، فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد ، فسبها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: " مهلا يا خالد ، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " ثم أمر بها فصلي عليها، ودفنت .

                                                                            المكس: ما يأخذه الماكس، والماكس: العشار، وأصل المكس: الخيانة.

                                                                            قال الإمام: في الحديث دليل على أنه إذا وجبت على الحامل عقوبة لا تقام عليها ما لم تضع الحمل؛ لأن في معاقبتها قبل الوضع إهلاك البريء بسبب المجرم، سواء كانت العقوبة لله سبحانه وتعالى، أو للعباد، فإذا وضعت الحمل، فإن لم يكن ثم من ترضع الولد فتؤخر حتى تفطم الولد، وإن كان هناك من ترضعه، فاختلفت الرواية عن بريدة في أمر الغامدية أنها هل رجمت بعد ما وضعت، أو رجمت بعد الفطام؟ فروى بشير بن المهاجر أنها رجمت بعد الفطام، وإليه ذهب أحمد ، وإسحاق ، وروى سليمان بن بريدة أنها رجمت بعد ما وضعت، وهو الأصح، وكذلك روى عمران بن الحصين ، أن امرأة من جهينة اعترفت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا، وقالت: أنا حبلى.

                                                                            فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: [ ص: 297 ] " أحسن إليها، فإذا وضعت حملها، فأخبرني " .

                                                                            ففعل، فأمر بها، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر برجمها، فرجمت
                                                                            .

                                                                            وكذلك روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه فعل بشراحة ، رجمها لما وضعت حملها.

                                                                            وإلى هذا ذهب مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي رضي الله عنهم.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية