الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3248 - أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، نا إسماعيل بن محمد الصفار، نا أحمد بن منصور الرمادي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة، قال: فقال أعرابي: فما بال الإبل [ ص: 168 ] تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن أعدى الأول؟ ".

                                                                            قال الزهري : فحدثني رجل، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا يورد ممرض على مصح"، قال: فراجعه الرجل، قال: أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة".

                                                                            فقال أبو هريرة: لم أحدثكموه.


                                                                            قال الزهري : قال أبو أسامة: قد حدث به، وما سمعت أبا هريرة نسي حديثا غيره.

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن محمد، عن هشام بن يوسف، عن معمر، وأخرجه مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، وأخرجا كلا الحديثين، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

                                                                            وزاد مسلم في روايته: قال أبو سلمة: ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لا عدوى"، فلا أدري أنسي أبو هريرة، أم نسخ أحد القولين الآخر.

                                                                            قوله: "لا يورد ممرض على مصح"، فالممرض: الذي مرضت [ ص: 169 ] ماشيته، والمصح: صاحب الصحاح منها، كما يقال: مضعف لمن ضعفت دوابه، ومقو لمن كانت دوابه أقوياء.

                                                                            قال الخطابي: وليس المعنى في النهي أن المريض يعدي، ولكن الصحاح إذا مرضت بإذن الله وتقديره، وقع في نفس صاحبها أن ذلك إنما كان من قبل العدوى، فيفتنه، ويشككه في أمره، فأمره باجتنابه لهذا المعنى، والله أعلم.

                                                                            وذكر أبو عبيد هذا المعنى، وقال: قد كان بعض الناس يحمل هذا، على أن النهي فيه للمخافة على الصحيحة من ذات العاهة، وهذا شر ما حمل عليه الحديث، لأنه رخصة في التطير، وكيف لا ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا التطير، وهو يقول: "الطيرة شرك"، ولكن وجهه عندي، والله أعلم، أن ينزل بهذه الصحاح من أمر الله ما ينزل بتلك، فيظن المصح أن تلك أعدتها، فيأثم.

                                                                            قال الإمام: العدوى أن يكون ببعير جرب، أو بإنسان برص، أو جذام، فتتقي مخالطته حذرا أن يعدو ما به إليك، ويصيبك ما أصابه.

                                                                            فقوله: "لا عدوى" يريد أن شيئا لا يعدي شيئا بطبعه، إنما هو بتقدير الله عز وجل، وسابق قضائه، بدليل قوله للأعرابي: "فمن أعدى الأول"، يريد أن أول بعير جرب منها، كان جربه بقضاء الله وقدره، لا بالعدوى، فكذلك ما ظهر بسائر الإبل من بعد.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية