الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3282 - وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي الطوسي، نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، أنا محمد بن محمد بن ورمويه، نا أبو زكريا يحيى بن محمد بن غالب، نا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، بهذا الإسناد، وقال: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت، وقعت".

                                                                            قال: وأحسبه قال: "ولا يقصها إلا على واد، أو ذي رأي، والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".

                                                                            قال أبو إسحاق الزجاج في قوله: "لا يقصها إلا على واد، أو ذي رأي" الواد لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب، وإن لم يكن عالما بالعبارة، لم يعجل لك بما يغمك، وأما ذو الرأي، فمعناه ذو العلم بعبارتها، فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها، أو بأقرب ما يعلم منها، ولعله أن يكون في تفسيرها موعظة تردعك عن قبيح أنت عليه، أو يكون فيها بشرى، فتشكر الله عليها.

                                                                            قوله: "والقيد ثبات في الدين" وذلك لأن القيد يمنع صاحبه عن النهوض والتقلب، كذلك الورع يمنع صاحبه من النهوض والتقلب فيما لا يوافق الدين، وهذا إذا كان مقيدا في مسجد، أو في سبيل من سبل [ ص: 215 ] الخير، أو عمل من أعمال البر، فإن رآه مسافر، فهو إقامة عن السفر، وكذلك إذا رأى دابته مقيدة، فإن رآه مريض، أو محبوس، طال مرضه وحبسه، أو مكروب طال كربه.

                                                                            وروى أيوب، عن أبي قلابة، مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الرؤيا تقع على ما عبر، ومثل ذلك كمثل رجل رفع رجله، فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا، فلا يحدث بها إلا ناصحا، أو عالما".

                                                                            وروي عن قتادة، قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني رأيت كأني أعشبت، ثم أجدبت، ثم أعشبت، ثم أجدبت، فقال له عمر: أنت رجل تؤمن، ثم تكفر، ثم تؤمن، ثم تكفر، ثم تموت كافرا، فقال الرجل: لم أر شيئا، فقال عمر: قد قضي لك ما قضي لصاحب يوسف.

                                                                            والغل: كفر، لقوله سبحانه وتعالى: ( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) ، وقوله تعالى: ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ) ، وقد يكون بخلا؛ لقوله عز وجل: ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) ، وقد يكون كفا عن المعاصي إذا كان في الرؤيا ما يدل على الصلاح، بأن يرى ذلك لرجل صالح، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان، وأبي بكر، فرأى سلمان لأبي بكر رؤيا، فأعرض عنه، فقال له أبو بكر: يا أخي، ما لك قد أعرضت عني؟ فقال: إني رأيت يديك قد جمعتا إلى عنقك، فقال: الله أكبر، جمعت يداي عن الشر إلى يوم القيامة. [ ص: 216 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية