الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3327 - أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن الجراح المروزي، أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب التاجر، أنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الحافظ، نا محمد بن إسماعيل، نا إبراهيم بن يحيى المدني، حدثني أبي يحيى بن محمد، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: "قدم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه، فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 291 ] عريانا يجر ثوبه، والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبله".

                                                                            قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الزهري إلا من هذا الوجه.

                                                                            وروي عن جعفر بن أبي طالب في قصة رجوعه من أرض الحبشة ، قال : فخرجنا حتى أتينا المدينة ، فتلقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعتنقني ، ثم قال : " ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح ، أم بقدوم جعفر " .

                                                                            ووافق ذلك [ ص: 292 ] فتح خيبر .

                                                                            وعن البياضي ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه ، وقبل ما بين عينيه " .

                                                                            ودخل أبو بكر على عائشة وهي مضطجعة ، قد أصابها حمى ، فقال : كيف أنت يا بنية ؟ وقبل خدها .

                                                                            وقال زارع ، وكان في وفد عبد القيس : فجعلنا نتبادر بين رواحلنا ، " فنقبل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله " .

                                                                            وعن تميم بن سلمة ، قال : لما قدم عمر رضي الله عنه الشام ، استقبله أبو عبيدة بن الجراح ، فأخذ بيده ، فقبلها .

                                                                            قال تميم : كانوا يرون أنها سنة .

                                                                            وقال الشعبي : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصافح بعضهم بعضا ، وإذا جاء أحدهم من سفر ، عانق صاحبه .

                                                                            وقدم سلمان ، فدخل المسجد ، فقام إليه أبو الدرداء ، فالتزمه .

                                                                            وقال عمر بن ذر : كنت إذا ودعت عطاء بن أبي رباح ، التزمني بيده ، وضمني إلى جلده .

                                                                            قال حميد بن زنجويه : قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن المعانقة والتقبيل ، وجاء أنه عانق جعفر بن أبي طالب ، وقبله عند قدومه من أرض الحبشة ، وأمكن من يده حتى قبلت " ، وفعل ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك بمختلف ، ولكل وجه عندنا ، [ ص: 293 ] فأما المكروه من المعانقة والتقبيل ، فما كان على وجه الملق والتعظيم ، وفي الحضر ، فأما المأذون فيه ، فعند التوديع ، وعند القدوم من السفر ، وطول العهد بالصاحب ، وشدة الحب في الله .

                                                                            ومن قبل ، فلا يقبل الفم ، ولكن اليد والرأس والجبهة ، وإنما كره ذلك في الحضر فيما يرى ، لأنه يكثر ، ولا يستوجبه كل أحد ، فإن فعله الرجل ببعض الناس دون بعض ، وجد عليه الذين تركهم ، وظنوا أنه قد قصر بحقوقهم وآثر عليهم ، وتمام التحية المصافحة .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية