الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب التسليم على قوم فيهم أخلاط من المسلمين والمشركين .

                                                                            3315 - أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، وأبو حامد أحمد بن عبد الله الصالحي، قالا: أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أنا محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني، نا محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، أن أسامة بن زيد، أخبره " أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة بن زيد، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، [ ص: 274 ] وذلك قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، فخمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وقف، فنزل، فدعاهم إلى الله عز وجل، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء لا أحسن من هذا، إن كان كما تقول حقا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك، فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا، فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون حتى هموا أن يتوثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال: " أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي، قال: كذا وكذا " قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد أصبح أهل هذه البحيرة أن يتوجوه، فيعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه، شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، [ ص: 275 ] فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم ".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن إبراهيم بن موسى، عن هشام، وأخرجه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، كلاهما عن معمر، عن الزهري، بهذا الإسناد مثله.

                                                                            قلت : البحيرة تصغير البحرة ، وهي القرية يريد المدينة .

                                                                            قوله : " فيعصبونه " أي : يسودونه ، وكانوا يسمون السيد المطاع معصب ، لأنه يعصب بالتاج ، أو يعصب أمور الناس .

                                                                            وقوله : " شرق بذلك " ، أي غص به ، يقال : شرق بالماء ، وغص بالطعام ، وشجي بالعظم .

                                                                            وفيه جواز التكني بأبي حباب .

                                                                            ويروى أن رجلا كان اسمه الحباب ، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ، وقال : " إن الحباب اسم شيطان " .

                                                                            وفيه جواز تكنية الكافر ، وكان هذا قبل أن يظهر عبد الله بن أبي الإسلام ، قال الله سبحانه وتعالى : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) ، وقال الحسن : إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار ، فسلم عليهم . [ ص: 276 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية