الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3249 - أخبرنا محمد بن الحسن، أنا أبو العباس الطحان، أنا أبو أحمد محمد بن قريش، أنا علي بن عبد العزيز، أنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنيه أبو بدر شجاع بن الوليد، عن ابن شبرمة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " لا يعدي شيء شيئا، فقال أعرابي: يا رسول الله، إن النقبة تكون [ ص: 170 ] بمشفر البعير، أو بذنبه في الإبل العظيمة، فتجرب كلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما أجرب الأول ".

                                                                            والنقبة: أول الجرب حين يبدو، وجمعها نقب.

                                                                            والطيرة: معناها التشاؤم، يقال: تطير الرجل طيرة، كما يقال: تخيرت الشيء خيرة، ولم تجئ المصادر على هذا القياس غيرهما، قال الله تعالى: ( قالوا إنا تطيرنا بكم ) ، أي: تشاءمنا، ( قالوا طائركم معكم ) ، أي: شؤمكم.

                                                                            وقوله: ( طائرهم عند الله ) ، أي: حقهم المكتوب لهم، وطائر الإنسان: ما طار له في علم الله تعالى مما قدر له، وأخذت الطيرة من اسم الطير، وذلك أن العرب كانت تتطير ببروح الطير وسنوحها فيصدهم ذلك عما يمموه من مقاصدهم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثير في اجتلاب نفع، أو ضر، ويقال: الطيرة أن يخرج لأمر، فإذا رأى ما يحب مضى، وإن رأى ما يكره انصرف، فأما ما يقع في قلبه من محبوب ذلك ومكروهه، فليس بطيرة، إذا مضى لحاجته، وتوكل على ربه.

                                                                            قال ابن عباس : إن مضيت فمتوكل، وإن نكصت فمتطير.

                                                                            وقال إبراهيم: قال عبد الله: لا تضر الطيرة إلا من تطير.

                                                                            وقوله: "ولا هامة" فإن العرب كانت تقول: إن عظام الموتى تصير هامة، فتطير، فيقولون: لا يدفن ميت إلا ويخرج من قبره [ ص: 171 ] هامة، وكانوا يسمون ذلك الصدى، ومن ذلك تطير العامة بصوت الهامة، فأبطل الشرع ذلك.

                                                                            وقوله: "ولا صفر" معناه: أن العرب كانت تقول: الصفر حية تكون في البطن تصيب الإنسان والماشية، تؤذيه إذا جاع، وهي أعدى من الجرب عند العرب، فأبطل الشرع أنها تعدي، وقيل في الصفر: إنه تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر، وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يستشئمون بصفر، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

                                                                            وقوله: "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" قال الإمام: لعله على معنى قوله عليه السلام: "لا يورد ممرض على مصح"، وقيل: هو رخصة لمن أراد أن يجتنب عنه، كقوله عليه السلام في الطاعون: "إذا وقع بأرض فلا تقدموا عليه"، فمن لم يحترز عنه متوكلا، فحسن، بدليل أنه عليه السلام، "أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة".

                                                                            وقيل: إن الجذام علة لها رائحة تسقم من أطال مجالسة صاحبها، ومؤاكلته، لاشتمام تلك الرائحة، وكذلك المرأة تضاجع المجذوم في شعار واحد، فربما تجذم من الأذى الذي يصيبها، وقد يظهر ذلك في النسل، وكذلك البعير الجرب يخالط الإبل ويحاكها، فيصل إليها بعض ما يسيل من جربه، فيظهر عليها أثر، وليس هذا من باب العدوى، بل هذا من باب الطب، كما أن أكل ما يعافه الإنسان، واشتمام ما يكره ريحه، والمقام في بلد لا يوافق هواه طبعه يضره، وما يوافقه ينفعه بإذن الله [ ص: 172 ] جل ذكره، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية