الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3413 - وأخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنا أبو طاهر الزيادي، أنا محمد بن عمر بن حفص التاجر، نا إبراهيم بن عبد الله بن عمر الكوفي، أنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

                                                                            ح وأخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أنا محمد بن عبد الله الصفار، نا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، نا أبو نعيم، نا سفيان، عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف الرجل قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا". [ ص: 381 ] .

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عمر بن حفص، عن أبيه، وأخرجه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص، وأبي معاوية، كل عن الأعمش، وأخرجه مسلم، من طريق شعبة ، عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة ، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                            قوله: " يريه " أي: يفسد رئته بالفتح، يقال: ورى القيح جوفه، أي: أكله، قال أبو عبيد: هو من الوري وهو أن يروي جوفه، يقال منه: رجل موري مشدد غير مهموز، ويروى عن أبي عبيد في معنى هذا الحديث، قال: هو أن يمتلئ جوفه شعرا حتى يغلب عليه، ويشغله عن القرآن والعلم.

                                                                            وحمله بعضهم على مهاجي النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                            وروي في حديث عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلئ شعرا قد هجيت به ".

                                                                            ولا يصح إسناد هذا الحديث، وأنكر أبو عبيد هذا التفسير، وقال: [ ص: 382 ] من حفظ مهاجي النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون مسلما، فمن حمل الحديث على امتلاء القلب منه، فكأنه رخص في القليل منه.

                                                                            وقال معمر: عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: الغناء ينبت النفاق في القلب.

                                                                            ويروى عن ابن مسعود مثله: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.

                                                                            وقيل: الغناء رقية الزنى.

                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه: وإن كان يديم الغناء ويغشاه المغنون معلنا، هذا سفه ترد به شهادته، وإن كان يقل، لم ترد.

                                                                            فأما استماع الحداء، ونشيد الأعراب، فلا بأس به، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم الحداء والرجز، وقال لابن رواحة: " حرك بالقوم ".

                                                                            فاندفع يرتجز.

                                                                            قلت: وقال سعيد بن المسيب: إني لأبغض الغناء، وأحب الرجز.

                                                                            قلت: ومن ترنم ببيت من الشعر مع نفسه، فلا بأس به.

                                                                            روي عن ابن سيرين، عن أنس، قال: استلقى براء بن مالك على ظهره، ثم ترنم، فقال له أنس: اذكر الله أي أخي.

                                                                            فاستوى جالسا، وقال: أي أنس، أتراني أموت على فراشي، وقد قتلت مائة من المشركين [ ص: 383 ] مبارزة سوى من شاركت في قتله.

                                                                            وقال عبد الله بن الزبير: ما أعلم رجلا من المهاجرين إلا قد سمعته يترنم.

                                                                            ويروى عنه أنه قال: وأي رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب.

                                                                            والنصب: ضرب من أغاني العرب، وهو شبه الحداء، يقال: نصب الراكب.

                                                                            وروي عن محمد بن عبد الله بن نوفل، أنه رأى أسامة بن زيد في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مضجعا رافعا إحدى رجليه على الأخرى يتغنى النصب.

                                                                            وكان عمر لا ينكر من الغناء النصب والحداء ونحوهما.

                                                                            واتفقوا على تحريم المزامير والملاهي والمعازف، وروي عن نافع، قال: " سمع ابن عمر مزمارا، فوضع إصبعيه في أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا، وصنع مثل هذا ".

                                                                            وكان الذي سمع ابن عمر صفارة الرعاة، وقد جاء مذكورا في الحديث، وإلا لم يكن يقتصر فيه على سد المسامع دون المبالغة في الزجر والردع، وقد رخص بعضهم في صفارة الرعاة. [ ص: 384 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية