الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب من وجد فرجة في الحلقة فجلس فيها .

                                                                            3334 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد الشيرزي، أنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي، أنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، عن مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن أبا مرة، مولى عقيل بن أبي طالب، أخبره عن أبي واقد الليثي، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد، والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذهب واحد، قال: فلما وقفا على رسول [ ص: 299 ] الله صلى الله عليه وسلم سلما، فأما أحدهما، فرأى فرجة في الحلقة فجلس، وأما الآخر، فجلس خلفهم، وأما الثالث، فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة، أما أحدهم، فأوى إلى الله تعالى، فآواه الله، وأما الآخر، فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر، فأعرض، فأعرض الله عنه".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن إسماعيل بن عبد الله، وأخرجه مسلم، عن قتيبة، كلاهما عن مالك.

                                                                            وأبو واقد الليثي : اسمه الحارث بن عوف ، وأبو مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب اسمه : يزيد ، ويقال له : مولى عقيل بن أبي طالب .

                                                                            قوله : فاستحيا ، فاستحيا الله منه ، قيل : معناه جازاه على استحيائه بأن ترك عقوبته على ذنوبه ، وقوله سبحانه وتعالى : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ) ، أي : لا يترك ، لأن الحياء سبب للترك .

                                                                            قال الإمام : فيه بيان أن من حضر جماعة ، فوجد في الحلقة فرجة ، أو حضر الصلاة ، وفي الصف فرجة ، فالأولى أن يدخل الفرجة ، [ ص: 300 ] فإن لم يجد ، فلا يزاحمهم إلا أن يتفسحوا له ، بل يجلس حيث ينتهي به المجلس ، فقد روي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا يحل للرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما " .

                                                                            وقال جابر بن سمرة : كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ، جلسنا حيث ينتهي .

                                                                            وروي عن أبي مجلز ، عن حذيفة ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة " .

                                                                            وهذا يتأول على وجهين : أحدهما : أن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ، ويقعد وسطها ، ولا يقعد حيث ينتهي به المجلس ، والثاني : أن يقعد وسط الحلقة ، فيحول بين الوجوه ، ويحجب بعضهم عن بعض ، فيتضررون . [ ص: 301 ] .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية