الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            باب شهادة الأعضاء.

                                                                            قال الله سبحانه وتعالى: ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم ) ، وقال جل ذكره: ( هذا يوم لا ينطقون ) .

                                                                            سئل ابن عباس عن " قوله: ( لا ينطقون ) ، وقوله عز وجل: ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ، فقال: إنه ذو ألوان، مرة ينطقون، ومرة يختم عليهم ". [ ص: 145 ] .

                                                                            وقال سبحانه وتعالى: ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، أي: لا يسأل سؤال الاستعلام، ولكن يسألهم تقريرا وإلزاما للحجة، كما قال سبحانه وتعالى: ( فوربك لنسألنهم أجمعين ) .

                                                                            وقال جل ذكره: ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) ، أي: على نفسه جوارح بصيرة بما جنى عليها، وهو قوله سبحانه وتعالى: ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم ) .

                                                                            وقوله: ( ولو ألقى معاذيره ) ، أي: ولو أدلى بكل حجة، وقيل: ولو اعتذر بكل عذر، وقيل: ولو ألقى ستوره.

                                                                            والمعذار: الستر، وليس هذا من بصر العين، بل هو من قولهم: فلان بصير بالعلم، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( فبصرك اليوم حديد ) ، أي: علمك بما أنت فيه نافذ.

                                                                            وقال الحسن ، " في قوله عز وجل: ( كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ، قال: لكل آدمي في عنقه قلادة، يكتب فيها نسخة عمله، فإذا مات، طويت وقلدها، وإذا [ ص: 146 ] بعث نشرت له، وقيل له: ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ، ابن آدم أنصفك من جعلك حسيب نفسك.

                                                                            وقال سبحانه وتعالى: ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ) ، أي: لا صداقة، وهي المخالة والخلال، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( لا بيع فيه ولا خلال ) ، وقوله سبحانه وتعالى: ( فترى الودق يخرج من خلاله ) ، هي جمع خلل مثل جبل وجبال، وقوله عز وجل: ( ولأوضعوا خلالكم ) ، قال الزجاج : أي: أسرعوا فيها يخل بكم، وقيل: لأوضعوا مراكبكم خلالكم، أي: وسطكم.

                                                                            4328 - أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو الحسين محمد بن عمر بن حفصويه السرخسي ، سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، أنا أبو يزيد حاتم بن محبوب ، نا عبد الجبار بن العلاء ، نا سفيان ، قال: سمعه روح بن القاسم معي من سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحاب؟ " قالوا: لا يا رسول الله.

                                                                            قال: "فهل تضارون في رؤية [ ص: 147 ] الشمس عند الظهيرة ليست في سحاب؟" قالوا: لا يا رسول الله.

                                                                            قال: "والذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم، كما لا تضارون في رؤيتهما " ، قال: " فيلقى العبد، فيقول: أي فل ألم أكرمك؟ ألم أسودك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأتركك تترأس وتتربع؟ قال: بلى يا رب.

                                                                            قال: فظننت أنك ملاقي؟ قال: لا يا رب.

                                                                            قال: فاليوم أنساك كما نسيتني.

                                                                            قال: فيلقى الثاني، فيقول: ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأتركك تترأس وتتربع؟ قال: فيقول: بلى يا رب.

                                                                            قال: فظننت أنك ملاقي؟ فيقول: يا رب لا.

                                                                            قال: فاليوم أنساك كما نسيتني.

                                                                            قال: ثم يلقى الثالث، فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك، آمنت بك، وبنبيك، وبكتابك، وصمت، وصليت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع.

                                                                            فيقال له: أفلا نبعث عليك شاهدنا؟ قال: فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه، فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، قال: فتنطق فخذه، ولحمه، وعظامه بما [ ص: 148 ] كان يعمل، قال: وذلك المنافق، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك الذي سخط الله عليه، قال: ثم ينادي مناد: ألا اتبعت كل أمة ما كانت تعبد، قال: فتتبع أولياء الشياطين الشياطين، قال: واتبعت اليهود والنصارى أولياءهم إلى جهنم، قال: ثم نبقى أيها المؤمنون، ثم نبقى أيها المؤمنون، ثم نبقى أيها المؤمنون، فيأتينا ربنا وهو ربنا، فيقول: علام هؤلاء قيام؟ فنقول: نحن عباد الله المؤمنون، وعبدناه وهو ربنا، وهو آتينا ويثيبنا، وهذا مقامنا، فيقول: أنا ربكم فامضوا، قال: فيوضع الجسر وعليه كلاليب من النار، تخطف الناس، فعند ذلك حلت الشفاعة لي، اللهم سلم سلم، قال: فإذا جاوزوا الجسر، فكل من أنفق زوجا من المال مما يملك في سبيل الله، فكل خزنة الجنة تدعوه: يا عبد الله ، يا مسلم هذا خير، فتعال.

                                                                            قال أبو بكر : يا رسول الله، إن ذلك لعبد لا توى عليه، يدع بابا ويلج من آخر.

                                                                            فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على منكبيه، قال: "والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن تكون منهم "
                                                                            .

                                                                            قال عبد الجبار: أملاه علي سفيان ، وأنا مع أبي .

                                                                            أخرجه مسلم ، [ ص: 149 ] عن محمد بن أبي عمرو ، عن سفيان ، عن سهيل ، إلى قوله: " وذلك الذي سخط الله عليه " .

                                                                            قوله: " تترأس وتتربع " ، ويروى: " ترأس وتربع " ، ترأس، أي: تكون رئيسهم، وتربع، أي: تأخذ المرباع من أموالهم، وهو الربع من رأس ما غنموه، إذا غزا بعضهم بعضا، كان الرئيس في الجاهلية يأخذه خالصة دون أصحابه.

                                                                            ويروى: " تربع وتدسع " ، أي: تعطي فتجزل، والعرب تقول للجواد: هو ضخم الدسيعة وهي الجفنة، وقيل: هي المائدة الكريمة.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية