الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            4355 - أخبرنا ابن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، نا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، نا مسلم بن الحجاج ، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا عفان بن مسلم ، نا حماد بن سلمة ، أنا ثابت ، عن أنس ، عن ابن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ، ويكبو مرة ، وتسفعه النار مرة ، فإذا جاوزها، التفت إليها، فقال: تبارك الذي [ ص: 187 ] نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: أي رب، أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها. فيقول الله: يابن آدم ، لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا رب.

                                                                            ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من هذه الشجرة لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها.

                                                                            فيقول: يابن آدم ، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها. فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب، أدنني من هذه فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها.

                                                                            فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: بلى يا رب، [ ص: 188 ] هذه لا أسألك غيرها.

                                                                            وربه يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب، أدخلنيها.

                                                                            فيقول: يابن آدم ، ما يصريني منك، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: أي رب، أتستهزئ مني، وأنت رب العالمين؟ "، فضحك ابن مسعود ، فقال: ألا تسألوني مما أضحك. فقالوا: مم تضحك؟ فقال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: " من ضحك رب العالمين، حين قال: أتستهزئ بي، وأنت رب العالمين، فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قدير "
                                                                            .

                                                                            هذا حديث صحيح.

                                                                            قوله: " ما يصريني منك " ، أي: ما يقطع مسألتك عني، يقال: صريت الشيء: إذا قطعته.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية